الأحد، 17 أبريل 2016

الإبادة الجماعية للأسماك


مشهدٌ مرعب ومخيف رأيته من خلال عدسات كاميرات المحطة الأمريكية الإخبارية سي إن إن في 25 مارس من العام الجاري، حيث نَقَلتْ المحطة صوراً حية استمرت لعدة دقائق لعشرات الآلاف من الأسماك التي قضت نحبها، ولَقَتْ حتفها في منطقة بحيرات نهر إندين(Indian River Lagoon) في وسط ولاية فلوريدا على ساحل المحيط الأطلسي، وبلغ طول المنطقة النهرية المنكوبة والتي شَهدَت هذه المذبحة الجماعية للأسماك صغيرها وكبيرها وبمختلف أنواعها، أكثر من 70 كيلومتراً، أي أطول من جزيرة البحرين!

 

فتَصور معي الآن منظر هذه الجُثث الميتة والمتعفنة من الأسماك الطافحة فوق سطح الماء لهذه المسافة الشاسعة والطويلة التي لا يمكن رؤية نهايتها أو مشاهدة آخرها، فكأنك تقف أمام هذا الكَربْ العظيم الذي نزل على هذه الكائنات الحية من الحد شمال البحرين، مروراً بالمنامة ومدينة عيسى، ثم إلى أخيراً إلى رأس البر في أقصى جنوب جزيرة البحرين، فكيف سيكون شعورك الداخلي عندما تشاهد هذه الحادثة المأساوية ولهذه المساحة الواسعة؟

وكيف ستكون نفسيتك وأنت تُراقب هذا المنظر الكئيب والمزعج؟

وبم تحس وأنت ترى بأُم عينيك هذه الأعداد الهائلة من الأسماك النافقة التي تنبعث منها الروائح الفاسدة والكريهة وتحمل معها الملوثات السامة والخطرة؟

 

لا شك بأن شعورك سيكون مزيجاً من الألم المدقع والحسرة الكبيرة على هذه الأسماك النافقة من جانب، والفزع والهلع الشديدين من وقوعك أنت نفسك والآخرين من حولك في هذه المصيبة القاتلة والخوف من أن تلقى المصير نفسه من جانبٍ آخر، فما حدث إذن لهذه الأسماك من طامةٍ كبرى قد يحدث للإنسان نفسه، فهو الذي يعيش على ماء النهر، وهو الذي يشرب من الماء، ويأكل من خيرات النهر وثرواته الحية من أسماك وروبيان وقواقع ويتغذى عليها، وهو أيضاً يستحم في هذه المياه ويمارس فيها الألعاب الرياضية والترفيهية، فأي نازلة أو مشكلة تُصيب الأسماك، أو أي كائنٍ حي يعيش في هذا النهر ينعكس مباشرة وبعد فترةٍ قصيرة أو طويلةٍ من الزمن على الإنسان نفسه، وعلى صحته وحياته ومعاشه.

 

فهذه الجُثث من الأسماك المتعفنة قتلتها أيدينا، وسقطت هذه الضحايا بفعل ممارساتنا اللامسئولة وغير الأخلاقية تجاه بيئتنا وعناصرها من ماءٍ وهواءٍ وتربة، فنحن الذين سمحنا بمياه المجاري المعالجة وغير المعالجة والمشبعة بخليطٍ معقدٍ من شتى أنواع الملوثات الكيميائية والحيوية من الدخول في ماء النهر، ونحن أيضاً أدخلنا وبمحض إرادتنا مياه الصرف الزراعي المحملة بالمبيدات القاتلة والأسمدة العضوية وغير العضوية السامة إلى بيئة النهر، كما أننا أطلقنا المياه الحارة الصناعية ومن محطات التحلية إلى السواحل الساكنة، فكل هذه التصرفات أدت مع الوقت، ونتيجة لارتفاع درجة حرارة الجو ومياه النهر إلى نموٍ مُفرط وغير طبيعي للحشائش والطحالب السامة التي تفرز ملوثات خطرة إلى المياه، إضافة إلى انخفاض تركيز الأكسجين الذائب في الماء في هذه المنطقة المائية، فنجم عنها اختناق الأسماك وغيرها من الكائنات الحية وتسممها ووقوع إبادةٍ جماعية لها جميعاً.

 

وجدير بالذكر أن ظاهرة نفوق الأسماك ومشهد المذابح الجماعية لهذه الكائنات البحرية أصبحت، مع الأسف الشديد، من المظاهر المألوفة التي نشاهدها في معظم بحار وأنهار وبحيرات دول العالم، وبخاصة أثناء ارتفاع درجة حرارة الجو ووجود مواقع بحرية شبه مغلقة لا توجد بها تيارات مائية قوية، وضحلة لا تتجدد مياهها بشكلٍ مستمر.

 

ونحن في دول الخليج عامة والبحرين خاصة لسنا ببعيدين عن هذه المشاهد أو غريبين عنها، وسأُقدم لكم بعض الأمثلة الكبيرة التي تثبت وجود هذه الظاهرة في بلادنا، بدءاً من أكتوبر 2008، ثم حادثة الموت الجماعي لأسماك الجواف في خليج توبلي في الفترة من 20 إلى 21 يونيو 2007، وحادثة نفوق الأسماك في حالة أم البيض بسترة يوم السبت الموافق 28 يونيو 2008، إضافة إلى الحوادث الصغيرة التي تقع بين الحين والآخر، وهذه المشاهد المؤسفة والحوادث المؤلمة ستستمر في البحرين وفي الدول الأخرى مادامت أسبابها ومصادرها قائمة ولم يتم القضاء عليها جذرياً وبصورةٍ نهائية.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق