الثلاثاء، 26 أبريل 2016

بَطْنِ الحوت مَقبرة لمخلفاتنا


هل تَصورت يوماً بأن المخلفات التي تُلقيها وتتخلص منها قد تصل في نهاية المطاف إلى الكائنات البحرية التي تسبح في أعماق البحار والمحيطات المظلمة؟

 

وهل دَارَ في مخيلتك قط بأن بطن الحوت سيكون هو المثوى الأخير للقمامة، وسيتحول إلى مقبرة يندفن بداخله مختلف أنواع وأشكال وأحجام مخلفاتنا؟

 

وهذا الأمر الذي لم يتخيله أحد، ولم يخطر قَطُ على بال إنسان، قد وقع بالفعل أمام الناس، حيث شاهد المئات من سكان مدينة تونينج(Tönning) الساحلية في ولاية شيلزويج هوستين(Schleswig-Holstein) الألمانية والواقعة على شواطئ بحر الشمال، منظراً مهيباً ومخيفاً في الوقت نفسه، ويُولد القلق والفزع في نفوس الواقفين أمامه، ويُثير في قلوبهم الكثير من التساؤلات والاستفسارات، ويتمثل هذا المشهد الغريب في نُفوق 30 حوتاً من نوع العَنْبَر(sperm whale)، ويتراوح وزنها من 12 إلى 18 طناً، وعمرها ما بين 10 إلى 15 عاماً، فكل هذه الحيتان الضخمة التي يصل طول الواحد منها قرابة 15 متراً كانت جُثثاً هامدة لا روح فيها ومرمية على ساحل البحر، وكأنها جبال راسية راسخة في الأرض لا تتحرك وقد جثمت على الساحل.

 

وعندما قام العلماء بتشريح جُثث هذه الحيتان العملاقة اكتشفوا ما لا عين رَأتْ، ولا أُذن سَمعت، ولا خَطَرَ على بال بشر في بطون وأمعاء هذه الحيتان، فقد وجدوا أنواعاً غريبة ومتعددة من شتى أنواع المخلفات البشرية التي يُلقيها الإنسان ويتخلص منها يومياً، وبخاصة المخلفات البلاستيكية، حيث إن علماء التشريح عثروا في أجسام بعض هذه الحيتان على خيوط وشباك الصيد بأنواعها المختلفة، والبعض منها يصل طوله إلى نحو 13 متراً، وعرضه 1.2 متر، كما حصلوا على قطعةٍ بلاستيكية من غِطاء محرك سيارة طولها قرابة 70 سنتيمتراً، إضافة إلى قطعةٍ حادة وبقايا من دَلو بلاستيكي نستخدمه للماء!

 

وهذا المشهد العجيب والمخيف في الوقت نفسه والذي رآه الكثير من الناس بأم أعينهم، تكرر مراتٍ ومرات في عدة دول منها فرنسا، وهولندا، وبريطانيا، وتايوان، مما يؤكد بأن ما حدث من نفوق للحيتان واكتشاف كيلوجرامات من المخلفات البلاستيكية البشرية المتنوعة في بطنها هو ظاهرة عامة منتشرة في أنحاء الدنيا، وليست حادثة منفردة ومعزولة وقعت في منطقة بحريةٍ واحدة وفي دولة بعينها دون الدول الأخرى في العالم.

 

فهذه الحادثة، وحوادث أخرى كثيرة تؤكد لنا العديد من الحقائق العلمية البيئية التي يجمع عليها العلماء الآن ولا يمكن أن يختلف عليها أحد، وأختصرها في النقاط التالية:

 

أولاً: المخلفات التي نتخلص منها في منازلنا ومكاتبنا ومعاملنا، إذا لم نتعامل معها بطريقةٍ علمية سليمة ومستدامة، قد تصل إلى مواقع وبيئات لا نتخيلها ولا نتصور بلوغها إلى تلك المناطق النائية والبعيدة، وفي الوقت نفسه قد تدخل في أجسام الكائنات الفطرية، سواء أكانت الطيور التي تحوم في السماء، أو الكائنات البحرية النباتية والحيوانية التي تسبح في المياه على السواحل وفي أعماق المحيطات السحيقة، أو الكائنات الحية النباتية والحيوانية الصغيرة منها والكبيرة التي تعيش في البراري والصحاري والوديان الباردة والحارة، والأشد خطورة من كل هذا هو التهديدات التي تُشكلها هذه الظاهرة والحقيقة العلمية على صحتنا وأمننا، فكل الملوثات التي تنتقل إلى الأوساط البيئية والكائنات الحية تصل إلينا حتماً بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، وبعد فترةٍ قصيرةٍ أو طويلةٍ من الزمن، فلا يمكن تجنب التعرض لها مهما فعلنا واتخذنا من تدابير وإجراءات صارمة، وستنزل علينا الأمراض والعلل من دون أن تكون لنا أدنى فكرة عن مصادرها.

 

ثانياً: هناك مخلفات لها شأن خاص من بين باقي المخلفات التي نرميها مع القمامة، فهذه المخلفات بالذات لها تأثيرات سلبية ملموسة لا يمكن تجاهلها على البيئة والكائنات الفطرية والإنسان، حيث بدأت الأضرار التي تنجم عنها تتفاقم وتزيد مع الوقت ويمكن لكل إنسان مشاهدتها في البر والبحر والجو، وهذه المخلفات هي ملايين الأطنان من مختلف أنواع المواد البلاستيكية التي نتخلص منها يومياً في كل دول العالم بدون استثناء.

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق