الأحد، 1 مايو 2016

أَمْنُنا الغذائي المَجْهول


أسمعُ كثيراً عن الاهتمام بالأمن الغذائي في البحرين، وأقرأ عن رعاية الدولة لهذه القضية الحيوية الجوهرية وتشكيل اللجان وفرق العمل القومية لبحثها وعمل الاستراتيجيات لحماية الموارد الغذائية ورعايتها وتنميتها، ولكن ما أراه في الواقع وأشاهده أمام عيني من تناقضات لا يعكس هذا الاهتمام والرعاية، ولا يؤكد دعم الدولة وصيانتها على المدى القريب والبعيد للثروات الغذائية القومية الفطرية.

 

فالثروة الغذائية الحقيقية والذاتية التي يمكن الاعتماد عليها في جميع الأوقات في البحرين، والوثوق بعطائها وإنتاجها وبناء الاستراتيجيات الغذائية حولها هي البيئة البحرية وما تحمِلُ في بطنها من موارد فطرية غير ناضبة ومتجددة أبد الدهر، والتي تتمثل في جميع الكائنات البحرية الحيوانية والنباتية بمختلف أحجامها وأنواعها وأشكالها، ولذلك فإن أية استراتيجية للأمن الغذائي الوطني يجب أن تَنْبي أولاً وبشكلٍ مباشر على حماية هذه الثروة الطبيعية، والعمل على تطويرها، واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتنمية كل ما فيها من موارد حية وغير حية حتى نضمن قدرتها على استدامة العطاء لنا وللأجيال اللاحقة من بعدنا.

 

فما هو حال بيئتنا البحرية اليوم التي هي العمود الفقري والمصدر الرئيس الذاتي لأمننا الغذائي؟

وما هو الوضع الحالي للثروة السمكية الفطرية في هذه البيئة البحرية؟

 

إن أية نظرةٍ سطحية ظاهرية بسيطة، ولا أَقُول دراسة معمقة وتحليلية، لبيئتنا البحرية وثرواتها السمكية ومواردها الفطرية، تَروي لنا قصة حزينة ومؤلمة لما آلتْ إليها هذه البيئة المنتجة والمعطاءة عبر القرون الماضية، وتحكي لنا ظلم الإنسان وما اقترفته أيدينا تجاه هذه البيئة المباركة الطيبة من أعمالٍ هدَّامة، وما ارتكبته من آثامٍ وأعمالٍ عدوانية قَضتْ على الكثير من المواطن والموائل في البحر إلى الأبد، وأكلت قطعاً عظيمة من جسمها، ودمرت كُل من عليها من كائناتٍ حيةٍ نباتية وحيوانية وطيورٍ بحرية، بل وأَضرت بالكثير من الناس الذي كانوا يعيشون على هذه المـَـواطِن، فكان البحر مصدر رزقهم الوحيد لهم ولأسرهم.

 

فعملية دفن السواحل وتَعَدياتنا عليها لم تقف يوماً ما منذ مطلع السبعينيات من القرن المنصرم، وهي عمليات خطيرة تقضي كلياً على مواطن الكائنات الحية النباتية والحيوانية التي تعيش على السواحل والتي تُعد الركن الرئيس الأول للسلسلة الغذائية البحرية التي تنتهي بالأسماك التي عاش عليها الأجداد ونعيش عليها الآن كمصدر فطري وحيد للبروتين الغذائي، فهذه العمليات حولت المناطق المدفونة إلى مقبرة جماعية لكل هذه الأحياء.

 

وفي المقابل أفسدت عمليات الحفر لاستخراج الرمل من البحر والتي تُستخدم فيها الآليات الحادة العملاقة، كلياً البيئة القاعية، وقضت تماماً على كل كائنٍ حي يعيش في منطقة الحفر، إضافة إلى أن هذه العمليات دهورت جودة المياه في المنطقة بدرجةٍ ملموسة وعلى نطاقٍ واسع ومشهود.

 

كذلك فإن الصيد الجائر واستخدام أدوات الصيد غير الشرعية، وبخاصة شباك الجر القاعية التي تسحبها السفن، والتي عملت كجرافات الدمار البحري الشامل، كَونَت شوارع ترابية في قاع البحر لمسافاتٍ طويلة كالشوارع الموجودة في البر، وكأن هناك سيارات ذا دفعٍ رباعي كانت تسير على تلك الشوارع فتَركتْ آثارها واضحة ومشهودة للجميع وبصماتها محفورة بعمق في تلك المناطق البحرية.

 

وعلاوة على هذا التدمير الممنهج لسنواتٍ طويلة لأهم مصادر الأمن الغذائي في البلاد، فهناك الملوثات التي تنبعث من المصانع الساحلية، ومحطات تحلية المياه ومياه المجاري، ومياه الصرف الزراعي.

 

وبالتالي فإن أي حديثٍ عن الاعتماد على الذات في قضية الأمن الغذائي في البحرين يجب أن يتطرق أولاً إلى مصادر وعوامل تدمير الأمن الغذائي، ممثلاً بصفةٍ رئيسة في البيئة البحرية، ووضع الإجراءات التنفيذية الصارمة لوقف هذه التجاوزات، والعمل على تنمية وتطوير ما تبقى لنا الآن من ثروةٍ بحرية نباتية وحيوانية.

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق