الاثنين، 2 مايو 2016

أينما تكونوا يُدْركم التلوث، ولو كُنْتُم في بروجٍ مُشيدة


بعد دراساتٍ وأبحاث قُمت بها، ومقالاتٍ نشرتها لأكثر من ثلاثين عاماً حول التلوث ومصير الملوثات وطُرق تحركها في البيئة وانتقالها بين الأوساط البيئية المختلفة والسلسلة الغذائية، تأكدتُ بأنه لا مفر من التعرض للتلوث بشكلٍ مباشر أو غير مباشر وبعد فترةٍ قصيرة أو طويلةٍ من الزمن، ولن تستطيع أن تبتعد عنه مهما فعلتْ، فالتلوث معنا، وبين أيدينا، ويُدركنا أينما كُنَّا، ولو كان ذلك في بروجٍ مشيدة في أعالي السماء.

 

فليس هناك مكاناً آمناً بعيداً تستطيع أن تختبئ فيه فتهرب من الملوثات، وليس هناك غذاءً سليماً لا يحتوي على الملوثات والمواد الكيميائية الخطرة والسامة، وليس هناك ماءً تشربه لا توجد به ملوثات ولو بنسبٍ بسيطة ومنخفضة، وليس هناك ما تستظل به ليحميك من التعرض للملوثات ويقيك من شر الإصابة بأمراض التلوث المزمنة والمستعصية على العلاج.

 

فعندما تكون جنيناً في بَطن أُمك وفي رحمها، ذلك المكان الآمن والمستقر والمظلم، فأنت تكون في مَرمى كافة أنواع الملوثات التي تتعرض لها الأم سواء عن طريق الأنف أو الفم أو الجلد، فتتراكم في أعضائك أثناء نموها، وعندما تخرج إلى هذه الحياة الدنيا وتتغذى على حليب أمك فأنت أيضاً ليس في منأى عن التعرض للمواد الكيميائية سواء من حليب الأم نفسه، أو من الوسط البيئي الذي تعيش فيه.

 

وعندما تأكل من نبات الأرض ومن ثمرات الزرع، فأنت تتناول مأكولات ملوثة وأنت لا تدري، فالمبيدات الحشرية والفطرية ومبيدات الأعشاب التي تُستخدم في كل حقلٍ زراعي تختلط بالتربة وتمتصها النباتات فتدخل في الثمار التي تأكلها أنت، كذلك فإن الأسمدة الكيميائية بمختلف أنواعها تصل إليك من خلال السلسلة نفسها، وعلاوة على ذلك كله فإن ماء المطر الذي يروي الكثير من الحقول قد يكون ماءً حمضياً مُشبعاً بالملوثات الحمضية التي تنزل على التربة وعلى الزرع وتصل إلى الثمار وإليك شخصياً في نهاية الأمر.

 

وعندما تأكل من لحم الأبقار أو من حليبها فأنت تتعرض للملوثات التي تعرضت لها الأبقار سواء من ناحية الأدوية والمضادات الحيوية التي تحقن بها الأبقار، أو من ناحية المواد الكيميائية الحافظة التي توضع في لحم البقر، أو من خلال الأطعمة غير الصحية التي تقدم لهذه الأبقار فتصل إليك في نهاية المطاف.

 

وعندما تأكل الأسماك وهي في أعماق البحار، فأنت قد تأكل لحماً ملوثاً بالمواد البلاستيكية المجهرية المتناهية في الصغر وأنت لا تعلم بذلك، أو تتناول لحماً مشبعاً بالسموم نتيجة للبيئة البحرية الملوثة التي تعيش فيها الأسماك.

 

وعندما تستنشق الهواء الجوي، فأنت تُدخل في جسمك خليطاً من الملوثات الموجودة في الهواء الجوي والتي تنبعث عن السيارات والمصانع ومحطات توليد الكهرباء، حتى أن منظمة الصحة العالمية صَنَّفت تلوث الهواء تحت بند "المواد المسرطنة للإنسان". 

 

فهل بقي لنا شيء لم يلج فيه التلوث؟

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق