الأحد، 15 مايو 2016

أزمة الموت من أمراض القلب في البحرين


تُشير الإحصاءات التي نُشرت مؤخراً أن أمراض القلب والأوعية الدموية تتصدر قائمة الوفيات في البحرين والناتجة عن الأمراض المزمنة بنسبة 34%، تليها وفيات السرطان بنسبة 15%، في حين بلغت الوفيات من داء السكري قرابة 24%، وهذه الإحصاءات تتماشى وتتوافق مع الأنماط الدولية بالنسبة لأسباب الوفيات في دول العالم، حيث أفادت منظمة الصحة العالمية أن الأمراض القلبية تقع في صدارة أسباب الوفيات ويفوق عدد الوفيات الناجمة عن الأسباب الأخرى، فهي تمثل زهاء 31% من جميع الوفيات التي وقعت في العالم.

 

وهذه الأرقام تفيد بأن هناك عوامل مشتركة تعاني منها كل دول العالم فتُسهم وتؤدي إلى هذا الارتفاع المشهود في أعداد البشر الذين يلقون حتفهم، ويقضون نحبهم من جراء التعرض لأمراض القلب المختلفة.

 

فهناك عوامل وأسباب تقليدية معروفة منذ عقود في المجتمع البشري فتؤدي إلى سقوط الإنسان ضحية نتيجة لحدوث خللٍ ومشكلات مزمنة في القلب والأوعية الدموية، مثل العوامل الخَلْقِية والوراثية التي يكتسبها الإنسان وهو في بطن أمه، ونمط حياته من ناحية النظام الغذائي الذي يتبعه والمتمثل في كمية ونوعية المأكولات التي يتناولها يومياً إضافة إلى ممارسته للرياضة والنشاط البدني والعضلي. كذلك هناك مسببات أخرى معروفة عند الأطباء منذ عقود لها علاقة بالإصابة بأمراض القلب كالسمنة المفرطة والوزن الزائد، وشرب الخمر والتدخين، إضافة إلى الحالة النفسية التي يعيش فيها الإنسان وما يقاسي منه من قلقٍ واكتئاب.

 

وفي المقابل هناك عوامل حديثة ومستجدة بدأت تنكشف يومياً من خلال الأبحاث الميدانية والمخبرية التي يجريها الأطباء وعلماء البيئة والصحة العامة حول علاقة الجانب البيئي والتلوث الكيميائي والفيزيائي وتأثيره على أداء القلب وقدرته على القيام بوظيفته في كل ثانية من حياة الإنسان.

 

فأصابع الاتهام أصبحت الآن توجه نحو الملوثات الفيزيائية والطبيعية التي أثبت العلماء علاقتها بأمراض القلب والموت بسببها، ومنها التلوث الضوضائي وارتفاع الأصوات والإزعاج المستدام طوال اليوم وعلى مدار السنة. فقد أشارت دراسة دنمركية نُشرت في 20 يونيو 2012 في مجلة بلوس وان العلمية (PLoS ONE)، وقامت بها الجمعية الدنمركية للسرطان وأجرتها على 50 ألف مشارك، واستمرت عشر سنوات، على أن زيادة درجة الإزعاج والضوضاء بقدر 10 ديسيبيلات(الديسيبل وحدة لقياس الصوت) تؤدي إلى زيادة الإصابة بالذبحة القلبية بنسبة 12%، وبخاصة الضوضاء الناجمة عن السيارات أثناء الليل. وأفاد الباحثون أن السبب في ذلك هو أن الأصوات المرتفعة تُعيق النوم فيبذل الإنسان مجهوداً ليحاول أن يخلد إلى النوم، مما يؤدي إلى تعكير المزاج والتعب النفسي والجسدي وارتفاع في إفراز هرمونات الإجهاد(stress hormones) في الجسم، ثم الإصابة بمشكلات حادة في القلب. كذلك أُلفت عنايتكم الكريمة إلى دراستين كبيرتين تم نشرهما في مجلة طبية مرموقة هي المجلة الطبية البريطانية(British Medical Journal) في أكتوبر 2013، فالدراسة الأولى شملت نحو 3.6 مليون من البريطانيين الساكنين بالقرب من مطار هيثرو، وأفادت إلى أن السكن بالقرب من هيثرو يزيد من مخاطر التعرض لأمراض القلب والأوعية القلبية، والدخول للمستشفيات بسبب الإصابة بالذبحة القلبية بنسبة 10 إلى 20%، إضافة إلى ازدياد مخاطر الموت المبكر. أما الثانية فقد أُجريت في الطرف الثاني من المحيط، وبالتحديد في الولايات المتحدة الأمريكية، وشملت ستة ملايين أمريكي يعيشون بالقرب من 89 مطاراً، حيث أكدت على وجود علاقة قوية بين السكن بالقرب من المطارات وارتفاع أعداد الداخلين للمستشفيات بسبب أمراض القلب، وبخاصة بالنسبة عن كبار السن.

 

وفي المقابل هناك التلوث الكيميائي الذي يُهدد صحة الإنسان بإصابته بأمراض القلب، وسأُقدم لكم على سبيل المثال لا الحصر دراسة واحدة شاملة شارك فيها 41 باحثاً يمثلون 28 جامعة ومركزاً للأبحاث الطبية والبيئية، واستغرقت 12 عاماً، وشملت مائة ألف مواطن أوروبي، ونُشرت في العدد الصادر في 21 يناير 2014 في مجلة جمعية الأطباء البريطانيين تحت عنوان "التعرض طويل الأمد لتلوث الهواء وحوادث أمراض القلب الحادة"، حيث أكدت على أن العيش في المدن الحضرية يرفع من مخاطر التعرض للسكتة القلبية والإصابة بأمراض القلب بنسبة 13%، حتى ولو كانت نسب الملوثات التي يتعرض لها منخفضة وأقل من المعايير الأوروبية لجودة الهواء الجوي، واتهمت الدراسة عدة ملوثات تسبب هذه الحالات المرضية، وعلى رأس القائمة الدخان أو الجسيمات الدقيقة وأكاسيد النيتروجين.

 

وانطلاقاً مما سبق أتمنى من الأطباء في البحرين، وبخاصة أطباء القلب عدم نسيان "التلوث" عند التشخيص والعلاج للمصابين بأمراض القلب، والاهتمام بقضية التلوث والتركيز عليها في البحرين، وتقديم وصفات تتناسب مع حالاتهم الصحية، ومنها الابتعاد عن جميع أنواع التلوث، وحثهم على زيارة المتنزهات والمناطق البعيدة عن مصادر هذه الملوثات القاتلة.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق