الأحد، 29 مايو 2016

25 عاماً وأنا أُلاحق السَرَاب


منذ عام 1992 وحتى يومنا هذا، أي منذ انعقاد قمة الأرض في مدينة ري ودي جانيروا في البرازيل والتي تمخضت عنها "الاتفاقية الإطارية للتغير المناخي"، وأنا أُتابعُ وأراقب كافة التطورات المتعلقة بالتغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض، وأُلاحق يوماً بيوم الجهود الدولية المكثفة والمستمرة منذ 25 عاماً والرامية إلى مكافحة هذه الظاهرة العالمية المشتركة، وهذه القضية الشائكة والمعقدة التي شغلت كل فرد يعيش على سطح الأرض، من مواطنٍ عادي إلى رئيس دولة، حيث تمثلت جهود العالم ومنظمات الأمم المتحدة المعنية بالتغير المناخي في السعي نحو تحقيق صفقة تشريعية دولية واتفاقية مُلزمة تطبقها كل دول العالم بدون استثناء.

 

وتبين لي أنني طوال هذه السنوات، أي طوال نحو ربع قرن من متابعتي لاتفاقية التغير المناخي المنشودة، أَلحق سراباً وهمياً لا وجود واقعي مشهود وملموس له، فأصبحتُ الآن ينطبق علي قول الله سبحانه وتعالى في سورةالنور:" كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً".

 

فدُول العالم في عام 1992 وافقتْ على الخطوط العريضة والمبادئ الأساسية للتغير المناخي والتي كانت هي حجر الأساس والقاعدة التي ينطلق منها بِناء معاهدة دولية تتعهد بتنفيذها كل الأطراف الدولية بدون استثناء، ولكن هذا البناء لم يكتمل بعد، وقد لا يكتمل أبداً في صورته النهائية المطلوبة التي تحقق هدف إيقاف التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض، فمازال المجتمع البشري حتى يومنا هذا يضع وببطءٍ شديد طوباً فوق طوب كل سنة، وحجراً فوق حجر.

 

فقد وصل المجتمع الدولي إلى منتصف هذا الطريق الطويل وأَكْمل نصف البناء في 1997، عندما اتْفَقت دول العالم في مدينة كيوتو اليابانية على بروتوكول للتغير المناخي أُطلق عليه "بروتوكول كيوتو"، ومن أهم الإنجازات التي تحسب لهذه الاتفاقية أنها ألزمت الدول الصناعية الكبرى على خفض انبعاثاتها من الملوثات المتهمة برفع درجة حرارة الأرض وإحداث التغير المناخي، ولكنها كانت اتفاقية غير مكتملة وناقصة، حيث إنها استثنت الدول النامية ودول العالم الثالث من تنفيذها.

 

ولكن حركة البناء لهذه المعاهدة توقفت كلياً وأصابها الشلل التام عندما تراجعت الولايات المتحدة الأمريكية، وهي أكبر دولة ملوثة للبيئة ومسئولة عن انبعاثات غازات الدفيئة، عن تعهداتها التي قطعتها على نفسها في كيوتو، حيث امتنع الكونجرس الجمهوري بزعامة ودَعْم جورج بوش من البيت الأبيض من التصديق على المعاهدة، فانسحبت كلياً من هذا البروتوكول الدولي، وبالتالي هَدَمْت أمريكا وحَطَّمت كل ما بناه المجتمع الدولي في قرارٍ واحدٍ فقط، وقضت على أحلام وطموحات الملايين من البشر في حماية كوكبهم والحفاظ عليه من تداعيات وانعكاسات التغير المناخي المهددة لاستدامة حياة الإنسان على الأرض.

 

وهنا وقف المجتمع الدولي حائراً وعاجزاً عن مواصلة البناء، فاضطر على بدء العملية من جديد ومن نقطة الصفر، وأخذ يجر مرة ثانية عجلة البناء لعله يتمكن من إعادة ما سهر على بنائه طوال العقود الماضية، فعُقدت الاجتماعات واحدة تلو الأخرى حتى وضع المجتمع الدولي آماله في الاجتماع الذي عقد في كوبنهاجن في الدنمارك في ديسمبر عام 2009 وبحضور زعماء العالم، يَتَقدمُهم الرئيس الأمريكي أوباما، ولكن خابت الآمال، وفشلت القمة، ولم يتفق قادة الدول على اتفاقية ملزمة، فاتجهتْ أنظار الشعوب من جديد في هذا النفق المظلم إلى اجتماع باريس في ديسمبر 2015، فاستبشرتُ خيراً لعل السراب الذي ألاحقه سيكون حقيقة، فانتهى الاجتماع بمعاهدة دولية ملزمة وغير ملزمة وطوعية في الوقت نفسه ومَرِنة جداً، بحيث إن الدول العالم كلها وافقت عليها دون تردد ووقعت عليها في 22  أبريل من العام الجاري في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، فهي تدعو الدول إلى التعهد والالتزام بخفض انبعاثات الغازات المتهمة برفع درجة حرارة الأرض، وفي المقابل تَمْنح الدول الحرية المطلقة، وتُعطيها الصلاحيات الكاملة بأن تقوم كل منها حسب إمكاناتها وظروفها بتحديد "مستوى" خفض الانبعاث، ولكن فَشَل الاجتماع في وضع آليةٍ للمحاسبة والعقوبات على كل دولة لا تقوم بخفض انبعاثاتها.

 

ولذلك في تقديري فإنني مازلت ألاحق سراب "معاهدة التغير المناخي" في آخر النفق الطويل الذي لا نهاية له، فالعالم لم يتفق على معاهدة مُلزمة لجميع الدول دون استثناء لخفض انبعاثاتها بمستوى محدد وثابت، ولم يُجْمع على آلية لمعاقبة الدول المخالفة والتي لا تنفذ تعهداتها، وفي المقابل فإن الأرض ترتفع حرارتها وتعاني وتتألم يومياً من سقمها المزمن، ودول العالم حتى يومنا هذا تتفاوض ولا تتفق.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق