الأحد، 12 يونيو 2016

صادق خان يُقاضي حكومته


مهمة العُمدة الجديد للعاصمة البريطانية لندن صادق خان صعبة جداً ومعقدة، فهو مُسلم ومن الأقليات في بريطانيا، ولذلك عليه أن يثبت نفسه وكفاءته وبراعته في القيام بهذا العمل أكثر مِنْ لَو كان العمدة من اللندنيين البيض ومن السكان الأصليين لبريطانيا.

 

ومن الصِعاب الثقيلة التي يواجهها الآن، ومن القضايا الساخنة التي تقف حجر عثرة أمام تقدمه ونجاحه، حيث فشل كل من سبقه في علاجه والتغلب عليه، بل وإن الحكومات البريطانية المتعاقبة لم تنجح كلها في تقديم الحلول الجذرية والمستدامة لهذه القضية المعقدة على بريطانيا بشكلٍ عام وعلى المجتمع اللندني بصفةٍ خاصة، فهي قضية قديمة ومتجددة، ومازالت تتصدر قائمة القضايا المستمرة منذ أكثر من مائة عام. 

 

فمنذ النَكْبة العظيمة التي نزلت على سكان لندن في ديسمبر 1952 بسبب فساد الهواء الجوي ودخول الآلاف من الملوثات السامة والقتلة إلى الهواء، والتي أودت بحياة أكثر من  4000 لندني في أسبوعٍ واحد فقط وأدخلت الآلاف إلى المستشفيات وهم يعانون من ضيق التنفس وتدهور حاد في وظائف القلب، وحولت موسم الأعياد والأفراح إلى أيام مأتمٍ وأحزان، فمنذ ذلك الوقت وسكان لندن لم يتمتعوا تماماً بهواءٍ نظيفٍ وصحي يُقوى أجسامهم وتستقيم به صحتهم، ولذلك فهذا التحدي الكبير انتقل مع الزمن من جيلٍ إلى آخر، ومن حكومةٍ بريطانية إلى أخرى، ومن عمدة إلى الآخر دون أن يتمكن أي واحدٍ منهم من القضاء عليه كلياً، فكل جيل يُورث الجيل الآخر ابناً معوقاً يصعب إعادة تأهيله وعلاجه.

 

فالآن جاء دور صادق خان ليُجرب حظه أمام هذه القضية، ويُدلي بدلوه ليقدم الحلول ويطرح العلاج الناجع والمستدام، فتَـبَنى منذ البداية الخطة الهجومية بدلاً من الخطة الدفاعية، واختار أن يُلقي هذا العبء الثقيل الذي ورثه من السابقين على الذين كانوا من قَبْله حتى لا يُعاتبه أحد على التقصير وعدم اتخاذ إجراءات لعلاج هذه القضية الخالدة، حيث قرر الذهاب إلى المحكمة العليا ليقدم شهادته ومرئياته ويدافع عن نفسه ضد الحكومة البريطانية أمام القضية المرفوعة للمرة الثانية من إحدى الجمعيات الأهلية حول أزمة تلوث الهواء الخانقة والمهددة لصحة سكان لندن، وقال في هذا الصدد: “خطة الحكومة لمواجهة تلوث الهواء غير كافية لحماية صحة اللندنيين"، وأضاف قائلاً: “أنا أعلم من خبرتي الشخصية أن هواء المدينة يدمر صحة الناس حيث إنني أعاني منذ الصغر من الربو".

 

 وجدير بالذكر أن معضلة تدهور نوعية الهواء في لندن والمدن البريطانية العريقة الكبرى لم تَعُد الآن بالنسبة لبريطانيا هماً محلياً، وشأناً داخلياً لا يَلجُ فيه أحد، كما لم تعد قضية بيئية وصحية، فقد تحولت بسبب التجاهل والإهمال لسنواتٍ طويلةٍ إلى قضيةٍ سياسيةٍ كبرى ومحْرجة بالنسبة للحكومة البريطانية، فقد تدخلت محاكم الاتحاد الأوروبي لتحكم ضد بريطانيا لعدم التزامها بمعايير نوعية الهواء ومواصفات جودة الهواء الجوي الأوروبية، وقررت غرامة مالية كبيرة، على بريطانيا دفعها الآن.

 

وعلينا هنا في البحرين أن نقف أمام هذه التجربة المــُـرَّة التي تقاسي منها بريطانيا أكثر من سبعين عاماً، ومازالت هذه المعاناة حاضرة ومستقرة وتُكبل صحة جيلٍ بعد جيل، حتى أن الإحصاءات الرسمية الحالية تفيد بأن ما يتراوح بين أربعين إلى خمسين ألف بريطاني يلقون حتفهم قبل وقتهم، ويموتون موتاً مبكراً سنوياً نتيجة لتدهور نوعية الهواء الجوي، مما يؤكد أهمية تدارك قضية جودة الهواء الجوي منذ أن تكون في مهدها وقبل أن تكبر وتتفاقم وعندها سيكون العلاج شبه مستحيل وشديد الكلفة.

 

ومن خبرتي المتواضعة فإنني في هذا المجال أؤكد على ضرورة توجيه جُل عنايتنا ورعايتنا في البحرين إلى قضية السيارات بكل أبعادها المرورية، والبيئية، والصحية، والاجتماعية، والاقتصادية، وإعطائها الأولوية القصوى من حيث العمل على خفض الانبعاثات الناجمة عنها أولاً، ومنعها كلياً في المستقبل المنْظور.        

 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق