الاثنين، 27 يونيو 2016

مخلفات البلاستيك تَحْتل كوكبنا!



مخلفات البلاستيك في كل مكان وأينما تذهب في الشرق أو الغرب وفي الشمال أو الجنوب، فالدراسات والأبحاث والشواهد الميدانية التي نراها أمامنا واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، كلها تؤكد أن هذه المخلفات قد أَخَذَتْ مكانها واستقرت واستوطنت في جميع بيئاتنا البشرية، فهي في البر والبحر، وفي أعالي السماء، وفي أعماق المحيطات السحيقة، فهي موجودة في الأسماك التجارية التي تُباع في الأسواق ونأكلها يومياً، وتم اكتشافها في الشِيكِنْ نَاجِت الذي يأكله الجيل الحالي ولا يستغني عنه، والبلاستيك وُجد في حلويات "مَارسْ" التي نأكلها يومياً ونشتريها من المحلات والبرادات، ومخلفات البلاستيك بكل أنواعها تم سَحبها من بطن الحوت وهو في الأعماق المظلمة في قاع البحار والمحيطات، ومخلفات البلاستيك نشاهدها بأُم أعيننا، فهي كالمصابيح تُزين أغصان وأوراق الأشجار في الشوارع والبراري والحدائق والمتنزهات، ومخلفات البلاستيك تجدها في الأماكن النائية والأكثر بُعداً عن الأنشطة البشرية والتنموية والتي لا يمكن لأيدي البشر أن تصل إليها.

 

أي أن البلاستيك الآن في كل مكان، وأينما نكون نجده أمامنا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا، ونتعرض له مهما فعلنا أن نتجنبه ونتقي شره، وقد جاء تحذير شديد اللهجة، وتنبيه قوي من برنامج الأمم المتحدة للبيئة في التقرير المنشور في 23 مايو من العام الجاري حول "حالة البلاستيك في محيطات العالم"، حيث يؤكد هذا التقرير الأممي على هذه الحقيقة المشهودة التي تهدد صحة الإنسان والحيوان وسلامة وأمن البيئة برمتها.

 

وتتلخص قضية المخلفات البلاستيكية في عدة ظواهر، أما الأولى فهي ظاهرة الازدياد المطرد في كميات وأنواع المخلفات البلاستيكية الصلبة التي ينتجها الإنسان في كل أنحاء العالم بشكلٍ يومي، وهذه المخلفات يكون مثواها الأخير إما في مقبرة السواحل البحرية، أو في وسط البحار والمحيطات، والتي مع الوقت تتراكم في هذه المناطق البحرية وتبقى هناك تدور حول نفسها إلى الأبد وكأنها في سجنٍ محكم الإغلاق لا يمكنها الخروج منه، كما هو الحال الآن بالنسبة للمخلفات البلاستيكية في المحيط الهادئ والتي تغطى مساحة قدرها نحو 700 ألف كيلومتر مربع، أي أكبر من مساحة البحرين بنحو 700 مرة، وتُعرف باسم(Great Pacific garbage patch). وهذه المخلفات البلاستيكية مع الزمن وبفعل الحرارة وضوء الشمس والتيارات المائية والرياح السطحية تتفتت وتتكسر إلى قطعٍ أصغر فأصغر، وتكون حينئذٍ كالمواد الغذائية التي تستهلكها الطيور المائية والسلاحف والحيتان والكائنات البحرية الأخرى، ومنها قد تصل إلى أجسامنا دون أن نعلم شيئاً عنها، وقد أجمعت الدراسات الميدانية على وجود هذه المخلفات البلاستيكية الصغيرة الحجم في بطن هذه الكائنات البحرية.

 

كما تأخذ هذه المخلفات مساراً آخر في البيئة البحرية، حيث اكتشف علماء البيئة والبحار مؤخراً بأن هذه المخلفات تنزل إلى عمود الماء فتغوص مع الزمن حتى تصل إلى أعماق المحيطات السحيقة المظلمة، فتستقر في مقبرة التربة القاعية على عمق كيلومتراتٍ تحت سطح البحر وتبقى فيها خالدة مخلدة أبد الدهر، وهناك تتعرض لها الكائنات البحرية القاعية فتدخل في أجسامها وتهدد حياتها بالخطر والموت في نهاية المطاف.

 

وأما الظاهرة الثانية المتعلقة بحركة ومصير المخلفات البلاستيكية في بيئتنا فتتمثل في الخَرزات(microbeads) والحبيبات البلاستيكية الصغيرة الحجم التي لا نراها بعيوننا المجردة وتُضاف مئات الآلاف منها إلى الملايين من المنتجات الاستهلاكية التي لا نستغني عن استخدامها يومياً، كمعجون الأسنان، ومنتجات التجميل والزينة، ومنظفات الوجه والجسم، والكريمات بمختلف أنواعها وأشكالها، وهذه المنتجات التي أصبحت ضرورية الآن تدخل في نهاية المطاف مع مياه المجاري ولا تتمكن أجهزة المعالجة من التخلص منها أو معالجتها، فتنفذ منها وتدخل في المسطحات المائية، ومن هناك تنتقل إلى الكائنات الحية النباتية والحيوانية العالقة في الماء، ثم إلى الأسماك الصغيرة والكبيرة فتمكث في بطنها وأحشائها وتتراكم فيها مع الوقت، وأخيراً تدخل هذه المخلفات البلاستيكية المجهرية في أجسامنا دون أن ندري، أو أن نحس بأنها قد دخلت في أبداننا.

 

وعلاوة على ذلك، فإن هذه المخلفات البلاستيكية الصغيرة الحجم قد تدخل في أعضائنا عن طريق استخدام حَـمَأة مياه المجاري في الزراعة، حيث إن هذه المخلفات يترسب البعض منها أثناء معالجة مياه المجاري، فتتراكم مع الوقت في هذه المخلفات شبه الصلبة، أو الحمأة التي عادةً ما تُستعمل في الزراعة كمواد مخصبة ومحسنة لخواص التربة.

ونظراً لانكشاف خطورة هذه الحبيبات البلاستيكية على صحة الإنسان والحياة الفطرية البرية والبحرية النباتية منها والحيوانية، فقد قامت بعض الدول في اتخاذ الإجراءات الأولية لمنع إضافتها إلى المنتجات الاستهلاكية الضرورية وغير الضرورية للإنسان واستبدالها بمواد طبيعية غير ضارة وقابلة للتحلل عند دخولها في البيئة.

كل هذه الحقائق تؤكد لي بأن مخلفات البلاستيك ستكون قضية شائكة ومعقدة تحير العلماء، وتقلق رجال السياسة ومتخذي القرار، وتمثل هماً وقلقاً دائمين لكل إنسان على مدار العقود القادمة.
                          
          

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق