الخميس، 16 يونيو 2016

الهاتف النقال يُسبب السرطان



هذه الدراسة التي نُشرت في 26 مايو من العام الجاري  ليست كمثيلاتها من الدراسات والأبحاث الأخرى التي اطلعتُ عليها لعدة أسباب موضوعية، منها أنها دراسة معمقة شاملة ومتكاملة، وقامت بها جهة حكومية رسمية تمثل الحكومة الأمريكية الاتحادية وأرهقت كاهل الميزانية العامة بمبلغ وقدره 25 مليون دولار أمريكي، كما أنها استغرقت وقتاً طويلاً حتى الآن، وستستمر حتى عام 2017، ولذلك فهي دراسة فريدة من نوعها واستنتاجاتها وتوصياتها ستكون على درجةٍ عالية من الثقة والمصداقية والثبات.

فقد أجرى علماء من البرنامج القومي الأمريكي لعلم السموم(National Toxicology Program) في مختبرات كولد سبرنج هاربر(Cold Spring Harbor Laboratory) التابع للمعهد القومي للصحة(National Institutes of Health) دراسة مخبرية تهدف إلى التعرف على العلاقة بين الأشعة وموجات الراديو التي تنبعث من هواتفنا النقالة أو المحمولة، واحتمال نمو الخلايا والأورام السرطانية والإصابة بهذا المرض الخبيث العضال، وتمثلت هذه الدراسة في تعريض 2500 من ذكور الفئران لمدة تجاوزت السنتين لموجات الراديو نفسها التي تنبعث من هواتفنا النقالة التي نستخدمها كل ساعة من كل يوم على مدار السنة وعلى مدار عُمرنا.

وقد أكدت الدراسة على أن بعض الفئران الذي تعرض للأشعة المنبعثة من الهواتف النقالة قد ظهر عليهم نوعين نادرين من الأورام السرطانية في المخ والقلب، حيث إن ما يتراوح بين 2 إلى 3% من الفئران انكشف عليهم ورم الجليوما(glioma) في المخ، وما يتراوح بين 2 إلى 6% أصيبوا بورم في القلب يُطلق عليه شوانوما(schwannoma)، وفي المقابل فإن هذه الأورام النادرة لم تظهر على الفئران الأخرى التي لم تتعرض للموجات والأشعة الخارجة من الهواتف المحمولة.

فهذه الدراسة تعتبر الآن في المجتمع الطبي والعلمي المهتم بالجوانب البيئية والصحية للهواتف النقالة الأولى من نوعها التي تصل إلى هذا الاستنتاج بدرجةٍ عالية من الثقة والمصداقية، وتؤشر إلى أن التعرض المستمر لسنواتٍ طويلة، وساعاتٍ ممتدة من اليوم لأشعة الهواتف النقالة تؤدي إلى نمو الخلايا السرطانية، وبالتالي الوقوع في شِباك شَرِّ هذا المرض المستعصي على العلاج.

ولذلك فإن هذه الدراسة تُشعل الآن مرة ثانية ومن جديد فتيل الصراع المحتدم والدائر بين المؤيدين والمعارضين للهواتف النقالة، وبين العلماء والأطباء المهتمين بهذه القضية الشائكة وبين شركات الهواتف النقالة وأجهزة اللاسلكي.

فنتائج مثل هذه الدراسات لا تصب في مصلحة شركات أجهزة اللاسلكي بشكلٍ عام وأجهزة الهواتف المحمولة بشكلٍ خاص، لأنها تُعد ضربة قاسية لتِجَارتهم، وتجعل بضاعتهم مع الوقت أقل جاذبية، وأقل رغبة لشرائها من قبل المستهلكين، ولذلك جاءت رُدود فعل هذه الشركات سريعة ومباشرة وتُشوه من سمعة هذه الدراسة ومصداقيتها، وتُشكك في قوة استنتاجاتها.

وهذا المخاض العسير الذي تمر به قضية الهواتف النقالة وعلاقتها بصحة الإنسان، ليس بالجديد على المجتمع البشري، فعند دخول السجائر والتدخين في الأسواق لم تكن هناك دراسات حول علاقته بالبيئة والصحة بشكلٍ عام، سواء صحة المدخن نفسه أو الذين يجلسون بالقرب منه، ومع الوقت بدأت الأبحاث تظهر رويداً رويداً وعلى استحياء، وتؤشر إلى أن التدخين يسبب الأمراض للإنسان ومنها السرطان، وهذا المخاض استمر أكثر من خمسين عاماً حتى اتضحت نتائج الولادة للمجتمع البشري، وأجمع على أن التدخين يسبب أكثر من عشرة أنواع من السرطان.

ولذلك بالنسبة للهاتف النقال، فبالرغم من نتائج الدراسة الحالية، ففي تقديري فإن نمط وأسلوب استخدام الهاتف النقال هو العامل المحدد لإصابة الإنسان بالسرطان، وهذا النمط في الاستعمال أُلخصه في النقاط التالية:
أولاً: الفترة الزمنية التي يستخدم فيها الإنسان الهاتف النقال طوال عُمره.
ثانياً: كيفية استخدام الهاتف أثناء المكالمات من حيث وضعه مباشرة على الأذن والمخ، أو استعمال البُلوتوث، أو مُكبر الصوت(السْبيكر).
ثالثاً: نوعية الهاتف التي يستخدمها الإنسان، حيث إن الطاقة وشدة الموجات التي تنبعث من كل هاتف تختلف من شركةٍ إلى أخرى.

واستناداً إلى هذه العوامل فالإنسان بيده تجنيب نفسه التعرض للأمراض من استخدام الهاتف النقال، والاعتدال في الاستخدام هو كلمة السر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق