الأربعاء، 25 مايو 2016

المقارنة بين حادثة سقوط الطائرة وحادثة تلوث الهواء


تألمتُ وحزنت كثيراً من سقوط طائرة مصر للطيران يوم الخميس 19 مايو، والتي ذهب ضحيتها 66 راكباً وهي في طريقها من باريس إلى القاهرة، كما أن وسائل الإعلام بجميع أشكالها وأنواعها وصورها ووسائل التواصل الاجتماعي هرعت منذ وقوع الحادثة، ومازالت حتى الآن، لتُغطي هذا الخبر، وتنشر كافة التفاصيل المتعلقة بنكبة هذه الطائرة سواء من الجوانب الخاصة بكيفية وأسباب سقوطها، أو الجوانب الإنسانية المتعلقة بالآلام الإنسانية والمعاناة البشرية لأهل وأقارب وذوي الذين لقوا حتفهم وقضوا نحبهم فجأة ومن غير أية مقدمات أو إنذار. 

 

وفي المقابل وقبيل فترة قصيرة من الزمن، وبالتحديد في 13 مايو من العام الحالي، نُشر تقرير دولي خطير من المفترض أن يُرعب الإنسان، وينشر في القلب الفزع والخوف، وهذا التقرير العلمي الجامع والشامل الذي نشرته إحدى منظمات الأمم المتحدة وهي منظمة الصحة العالمية يتحدث أيضاً عن الموت الجماعي للبشر والقتل المبكر للناس، ولكن هنا يختلف السبب عن حادثة سقوط الطائرة، فالسبب هو نتيجة لتلوث الهواء الجوي وتعرض الإنسان في كل ثانيةٍ من حياته للملوثات الخطرة والسامة والمسرطنة التي تَشبع بها الهواء في كل مدن العالم بدون استثناء.  

 

فالتقرير يؤكد أن خبرات الإنسان ونتائج أبحاثه تتجه نحو الاستنتاج بأن الهواء الذي نستنشقه ولا يمكننا الاستغناء عنه دقيقة واحدة يؤدي إلى إصابتنا بأنواع مختلفة من الأمراض الحادة والمزمنة القاتلة مثل أمراض الجهاز التنفسي، وأمراض القلب، وأمراض السرطان، وأشار إلى أن الجسيمات الدقيقة أو الغبار والملوثات المؤكسدة مثل الأوزون هي من الأسباب الرئيسة المؤدية إلى السقوط في هذه الأسقام والعلل المهددة لحياة الإنسان.

 

فهذا التقرير الكبير الذي غطى في حدوده الجغرافية 3000 مدينة، يمثلون 103 دول، أكد بأن أكثر من 80% من سكان هذه المدن يعانون من تلوث الهواء، ويعيشون في وسط هذه الأجواء القاتلة والمهلكة للصحة، كما أشار إلى أن تلوث الهواء يؤدي سنوياً إلى موت أعدادٍ مهولة من البشر تبلغ قرابة ثلاثة ملايين إنسان، يسقطون ضحية الإصابة بأمراض القلب، والسكتة، وسرطان الرئة وأمراض الجهاز التنفسي الأخرى، وهذا العدد يفوق الذي يسقطون ضحايا مرض الإيدز والملاريا.

 

وعلاوة على هذه الاستنتاجات المفزعة والمخيفة فإن التقرير أكد أن الوضع العام للهواء الجوي في معظم دول العالم في تدهورٍ مستمر وتدني مدقع، حيث أفاد بأن تلوث الهواء زاد بنسبة 8% خلال السنوات الماضية، والنسب العليا كانت في المدن الفقيرة غير المتقدمة، وهذه النسبة في تزايد كل سنة.

 

فهناك من دول العالم التي بلغ فيها مستوى تلوث الهواء درجة شديدة بحيث إن الهواء فيها أصبح غير قابلٍ للحياة ولا يمكن العيش فيها، وتحول إلى مستوى بليغ وحرج جداً لا يمكن تجاهله، أو السكوت عنه حتى من قبل الحكومات نفسها، كما حدث في الصين عندما أعلنت الحكومة الصينية ولأول مرة في تاريخها الطويل العريق "الحرب على التلوث" وأعلنت حالة الطوارئ الصحية القصوى في معظم أيام السنة، كما هو الحال في العاصمة بكين.

 

فبالرغم من هذه الحقائق المرعبة والمقلقة حول التأثيرات المميتة لتلوث الهواء إلا أن الحكومات ووسائل الإعلام لا تعيرها الأهمية المطلوبة منها، والتي تتناسب مع فداحتها وقوة أضرارها على المجتمع الإنساني، كما أن هذا التقرير الجامع الذي يؤكد على موت الملايين من البشر بسبب تلوث الهواء مَرَّ مُرور الكرام على معظم الصحف، وكأنهم لا يبالون بموت الإنسان، كما أن الحكومات لم تُصغ لنتائجه الصادمة، وكأنها لم تك شيئاً.

 

فهل موت الإنسان من سقوط طائرة، أو حادثة مرورية، يختلف عن موته لأسباب بيئية، مثل تلوث الهواء؟

 

أليس الموت "واحد".. أليست انعكاساته وآثاره على الفرد والأسرة والمجتمع واحدة، مهما كان السبب؟ فلماذا إذن هذا الاهتمام والرعاية من الجميع بنوعٍ واحدٍ من الموت، وفي المقابل تجاهل وإغفال الأنواع الأخرى الفاضحة والجلية من الموت، وفي مقدمتها الموت لأسباب بيئية، وبخاصة تدهور نوعية الهواء الجوي؟

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق