الأحد، 17 يوليو 2016

18 مليون أمريكي يشربون ماءً مسموماً بالرصاص!


الولايات المتحدة الأمريكية بالرغم من قوتها وعظمتها وتقدمها العلمي والتقني المشهودين، ورُقيها في كافة مجالات الحياة، إلا أنها لا تستطيع أن توفر للشعب أبسط حقوق الحياة الآمنة والسليمة، ولا تستطيع أن تقدم له أهم ما يحتاجه الإنسان لكي يعيش حياة كريمة هانئة بعيداً عن الأسقام والعلل، فهي فشلت في إمداد الشعب بشريان الحياة، إذ لا حياة بدونه، فلم تتمكن من توفير الماء العذب الزلال الخالي من الشوائب والسموم لكل المواطنين في جميع الولايات الأمريكية، علماً بأن توفير مياه الشرب الصحية والنظيفة والآمنة من الواجبات الأساسية لأية حكومة، ومن الخدمات التي يجب أن توفرها كل دولة لمواطنيها والمقيمين على أرضها.

 

فالتقارير التي تَنْشرها الأجهزة الرسمية حول قضية توفير مياه الشرب الآمنة والنقية بدأت تتزايد مع الوقت وكلها تحذر من خطورة الوضع المائي في جميع ولايات أمريكا، وتنبه إلى المخاطر التي تنجم عن إهمال هذه القضية على الجيل الحالي والأجيال اللاحقة، وآخر تقرير خرج إلى الضوء كان في 28 يونيو من العام الجاري من مجلس دفاع الموارد الطبيعية(Natural Resources Defense Council) تحت عنوان: “ما هي الملوثات الموجودة في الماء الذي تشربه؟"، حيث أكدت التحاليل المخبرية التي أُجريت على مياه الشرب في كافة أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2015، أن أكثر من 18 مليون مواطن أمريكي يمثلون 5363 نظاماً مائياً يشمل جميع ولايات أمريكا ويُزود المدن بماء الشرب، أن المياه التي يشربونها لا تتوافق مع المواصفات الخاصة بمياه الشرب، وتتجاوز الحدود الآمنة لمستويات الرصاص والنحاس، أي أن هذا العدد المهول من الشعب الأمريكي يشرب في كل ساعة من حياته طوال اليوم ماءً مشبعاً بالسموم المهلكة التي تتراكم في جسمه يوماً بعد يوم حتى تُرديه صريعاً، فإما أن يُنقل إلى غرفة الإنعاش لتلقي العلاج، وإما أن ينقل إلى مثواه الأخرى.

 

وقبل هذا التقرير المخيف، نَشرت صحيفة "أمريكا اليوم"، أو "يو إس إيه توداي" في 16 مارس من العام الجاري فضيحة كبرى عَرِّت فيها النظام المائي للشرب في الولايات المتحدة الأمريكية وكشفت سوءتها أمام الشعب الأمريكي، فقد أكد تحقيق الصحيفة الذي غطى فترة زمنية من عام 2012 حتى 2015، انتشار ظاهرة ارتفاع تركيز عنصر الرصاص السام في مياه الشرب على مستوى مدن الولايات المتحدة الأمريكية،كما كشف التحقيق على أن هناك نحو 75 مليون وحدة سكنية في أمريكا تم بناؤها قبل عام 1980 ومعظم هذه الوحدات تحتوي على أنابيب أكل عليها الدهر وشرب وقديمة مصنوعة من الرصاص سواء خارج المنزل أو بالداخل، وهذا يعني تعرض المواطن الأمريكي لمياه مشبعة بالرصاص بدرجاتٍ متفاوتة، وهذا بدوره ينعكس على دم الإنسان الأمريكي حيث يتراكم الرصاص في نهاية المطاف في الدم أو في العظام، ويسبب أزمات صحية مزمنة، وبخاصة بالنسبة للأطفال.

 

وهذه القضية البيئية الصحية النكراء ظهرت إلى السطح وانكشفت إلى الرأي العام الأمريكي، وأزيل الستار عنها في عام 2014 في مدينة فلينت بولاية ميتشجان، عندما تبين من خلال الفحص المخبري أن مياه الشرب في المدينة مسمومة بالرصاص وأن دماء معظم أطفال المدينة مشبعة بتراكيز مرتفعة وقاتلة من هذا العنصر الخبيث. وهذه القضية تشعبت كثيراً، وتشابكت تداعياتها، وانتقلت من الحدود الجغرافية الضيقة للمدينة إلى إعلان حالة الطوارئ، ثم قيام الرئيس الأمريكي نفسه مضطراً بِشد الرحال في الرابع من مايو من العام الجاري لزيارة هذه المدينة المَنْكوبة، حيث ألقى خطاباً وصف فيه القضية بأنها "كارثة من صنع الإنسان، وكان يمكن تجنب وقوعها، وكان يمكن منعها"، أي أنه أعطى تصنيفاً خطيراً وعالياً لهذه القضية بوصفه لها بأنها "كارثة".

 

وعلاوة على ذلك، فقد اعترفت وكالة حماية البيئة الأمريكية بهذه الفضيحة الصحية البيئية الكبرى، وقالت:"نحن نعترف بالتحديات القائمة في الالتزام بمعايير الرصاص والنحاس في مياه الشرب"، فوكالة حماية البيئة هي الجهة الحكومية المعنية بالتأكد من سلامة مياه الشرب التي تَصِل إلى المواطن الأمريكي في منزله، أو شقته، وهي أعلنت بما لا يترك مجالاً للشك بأن هناك فعلاً قضية عامة يعاني منها الملايين من الأمريكيين وهي تدهور مياه الشرب وتلوثها بسموم قاتلة، وبالتحديد عنصري النحاس والرصاص.

 

والسؤال الذي أطرحه هو :"كيف لدولة عظيمة ومتفوقة في كافة مجالات الحياة، أن تهمل هذه القضية الحيوية التي تمس صحة كل مواطن لعقود طويلة من الزمن، وبخاصة أطفال أمريكا بالدرجة الأولى؟".

 

والجواب هو في تقديري يكمن في أن علاج هذا التحدي يتمثل في تغيير الملايين من أنابيب الرصاص الموجودة تحت الأرض والتي تُنقل عن طريقها مياه الشرب في معظم مدن أمريكا، وكُلفة هذه العملية أكثر من "تريليون دولار"، فمن أين لهم هذا المبلغ؟

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق