الأحد، 3 يوليو 2016

ماذا يعني خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بالنسبة للبيئة؟


بعد الاستفتاء التاريخي الصادِم الذي أُجري يوم الخميس 23 يونيو حول بقاء أو مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي، والذي أكد فيه الشعب البريطاني رغبته في الخروج من هذا الاتحاد العريق وقال فيه كلمة الوداع الأخيرة، يحق لي وأنا أتابع وأراقب الشأن البيئي العام أن أطرح التساؤلات التالي:

 

هل هناك أبعاد لهذا القرار المصيري على البيئة؟ وهل ستخسر البيئة أم ستربح من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟ وما هي تداعيات وعواقب هذا التوجه البريطاني الجديد على جهود حماية البيئة والحفاظ على مكوناتها الحية وغير الحية؟

 

ولكي أجيب عن هذه التساؤلات أرجع إلى الجهود التي بذلها الاتحاد الأوروبي خلال أكثر من ستين عاماً من عمره، وأُقدم التشريعات والأنظمة والمواصفات التي سَنَّها في مجال حماية البيئة وصيانة مكوناتها وثرواتها الطبيعية من معايير ومواصفات جودة الهواء إلى مواصفات مياه الشواطئ البحرية، إضافة إلى التشريعات الخاصة بالولوج في بحر تقانات الوقود الصديقة للبيئة، وتعزيز استخدام مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة غير الناضبة، والتي تصب جميعها في مواجهة مشكلة العصر، وهي التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض.

 

وأود هنا التركيز فقط على جانبٍ واحدٍ من القضايا والتشريعات الأوروبية المتعلقة بالبيئة، وبالتحديد المواصفات المعنية بجودة الهواء وتحسين نوعية الهواء التي يستنشقها المواطن الأوروبي عامة، سواء الذي يعيش تحت سماء بريطانيا، أو يستنشق الهواء في ألمانيا، أو يسكن في فرنسا، أو يعيش في أية دولة أوروبية أخرى عضو في هذا الاتحاد.

 

وأَخُص جودة الهواء من بين القضايا البيئية الكثيرة لعدة أسباب من أهمها أن الملوثات التي تنطلق إلى الهواء الجوي من السيارات والمصانع ومحطات توليد الكهرباء وغيرها من المصادر التي لا تُعد ولا تحصى لا تَبْقى في الدولة التي صَدَرت وخرجت منها، ولا تمكث في حدودها الجغرافية، فهي دائمة الحركة والتنقل من منطقةٍ إلى أخرى، ومن بيئةٍ إلى بيئةٍ جديدة ثانية عبر الحدود الجغرافية المصطنعة بين الدول، دُون الحاجة إلى جواز سفر، أو تأشيرة دخول، ولذلك فإن هذه المعايير والمواصفات البيئية لجودة الهواء، إذا تم تطبيقها على سماء الاتحاد الأوروبي برمته فإنها تضمن أن يكون الهواء في كل هذه الدول نقياً وصافياً وصحياً، فلا يؤثر سلباً على الإنسان أو النبات أو الحيوان أو الجماد.

 

وتلوث الهواء في بريطانيا بلغ ذروته ووصل إلى مستويات عالية ومخيفة وتتجاوز الحدود والمعايير الأوروبية الموضوعة لحماية الهواء الجوي، وقد بلغ هذا التأثير الإنسان نفسه، فقد أكدت التقارير والدراسات الطبية والبيئية أن تلوث الهواء يضر بشكلٍ مميت وقاتل سنوياً على قرابة 40 ألف بريطاني فيقضون نحبهم، ويُنقلون مبكراً وقبل أوانهم إلى مثواهم الأخير. ولذلك وجود بريطانيا في الاتحاد الأوروبي يفرض عليها الالتزام بمعاييره ومواصفته الخاصة بجودة الهواء، إضافة إلى وضع الخطط العملية واتخاذ الإجراءات التنفيذية للالتزام بهذه المواصفات وتحسين نوعية الهواء التي يستنشقها المواطن البريطاني، وخروج بريطانيا الآن من الاتحاد يعني التخلي عن التعهد بتطبيق هذه المواصفات وعدم وجود ضغوط أوروبية على بريطانيا لتنظيف الهواء من الملوثات السامة، وبالتالي استمرار تدهور الهواء واستمرار الموت المبكر للبريطانيين، وتكبدهم نتيجة لذلك خسائر صحية عظيمة.

 

وعلاوة على هذه النقطة الجوهرية فخروج بريطانيا من الاتحاد أدى بشكلٍ فوري ومباشر إلى انهيار السوق، وتحطم الجنيه إلى أدنى مستوى له، وتدهور الوضع المالي بشكلٍ عام، مما سيؤثر على الاستثمارات البريطانية الحالية والمستقبلية في مجال تحسين نوعية الهواء، وفي مجال تطبيقات وتقانات الطاقة النظيفة والصديقة للبيئة والتي من شأنها منع أو خفض انبعاثات الملوثات إلى الهواء الجوي وبالتالي تحسين نوعية الهواء بشكلٍ عام على المستويين القريب والبعيد.

 

ومما يؤسف له حقاً أن القضايا البيئية المتعلقة بوجود بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وبخاصة جودة الهواء، لم تكن طرفاً في معادلة البقاء أو الخروج، ولم يفكر فيه الشعب البريطاني أثناء وضع رأيه في صندوق الاستفتاء، وبالتالي ستكون البيئة هي الخاسر الأكبر من هذا الطلاق، وستكون صحة الإنسان هي الضحية الأولى التي ستسقط سريعاً جراء هذا القرار.

                                            

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق