السبت، 9 يوليو 2016

سياستنا مع القمامة: خُذُوهُ فَغُلوه



هناك اعتقاد سائد في البحرين وفي الكثير من الدول، وهناك نظرة خاطئة شائعة حول كيفية التعامل مع القمامة، أو بشكلٍ عام "المخلفات البلدية الصلبة" التي تنتج كل ساعة، وفي كل يوم، وعلى مدار السنة كلها من منازلنا، ومكاتبنا، وعماراتنا، ومجمعاتنا التجارية، وهذا الاعتقاد يتلخص في أن هذه الكميات التي ننتجها من القمامة تُعد أمراً هامشياً، ومشكلة سهلة، ومَهْمة بسيطة يمكن إلقاؤها على أية جهة، ويمكن لأي موظف أو قسم أن يقوم بها، فكل ما عليه القيام به يومياً هو جمع القمامة من مصادر إنتاجها بأية طريقةٍ ممكنة، ثم نقلها إلى مثواها الأخير في مقبرة المخلفات، وعند ذلك تكون قد انتهت المهمة، وتخلصنا من القمامة إلى الأبد، أي أننا وباختصار نتبنى سياسة "خُذُوه ُ فَغُلوه".

ولذلك كان لا بد لي من التنبيه والتحذير في الوقت نفسه إلى أن التخلص من القمامة، أو المخلفات البلدية الصلبة لم يعد كما كان قبل عقود من الزمن، فالمجتمعات البشرية تغيرت وتطورت وتوسعت كثيراً خلال المائة سنة الماضية، فهناك مدن ومناطق حضرية تنشئ في كل عام، وهناك زيادة غير مسبوقة في أعداد البشر، وبالتالي هناك ارتفاع مطرد في أحجام المخلفات الصلبة التي تنتج عن هذه المجتمعات والمدن، ونتيجة لهذه المستجدات التي طرأت على المجتمع البشري، فقد تحولت قضية القمامة إلى علمٍ متخصص يُدرس في الجامعات العريقة، ويُطلق عليه علم القمامة(Garbology)، وهناك من يَنال درجة الماجستير أو الدكتوراه في هذا العلم الحديث، وقد قمتُ مؤخراً بامتحان طالبة لنيل درجة الماجستير في جامعة البحرين حول إدارة المخلفات البلدية الصلبة في مملكة البحرين وطرق التخلص منها، وأهم المعوقات والصعوبات التي تواجهها والتحديات التي تنجم عنها.

ونتيجة لهذا الاعتقاد الساذج والبسيط إلى المخلفات البلدية الصلبة انكشفت في البحرين وفي الكثير من دول العالم مظاهر هذا الاعتقاد، والتي تتمثل حالياً في تكدس القمامة في الأحياء وتسرب أكياس القمامة والمخلفات الأخرى من جوانب الحاويات وظهورها على جوانب الطرقات، وهذه المظاهر لو تُركت فترة قصيرة من الزمن وتم تجاهلها فستكون منبعاً للروائح العفنة ومصدراً للروائح الكريهة، وستجرى الأنهار من تحتها في الطرقات، وستحوم من فوقها الحشرات، وستظهر القوارض من بطنها، وأخيراً تعرض سلامة بيئتنا للخطر وتهدد صحتنا للأمراض والأوبئة التي نحن في غنى عنها.

ولذلك فإن سياسة خذوه فغلوه أصبحت من الماضي التليد وانتهت من مصطلحات إدارة القمامة والمخلفات البلدية الصلبة، فالتحديات التي نواجهها عند التعامل مع القمامة لا تنتهي بدفنها في مقبرة المخلفات، حيث إن هناك مشكلات مستدامة سنعاني منها بعد دفن القمامة، ولا بد من إدارتها بأسلوب صحي وبيئي واقتصادي واجتماعي مستدام، وتتلخص أولاً في الغازات التي تنتج عن التحلل الحيوي للقمامة مع الزمن، وفي مقدمتها غاز الميثان وغازات سامة أخرى. فهناك دول متقدمة ومتطورة تعاني من ظهور هذا الغاز من مناطق الدفن، ونتيجة لعدم التعامل معها بطريقة سليمة، خَلَقت مشكلة أمنية خطيرة، كما حدث مؤخراً في ولاية تكساس عندما اختلط هذا الغاز القابل للاشتعال مع المياه الجوفية، ثم انتقل إلى حنفيات المياه في المنازل، حيث كان الماء يشتعل مباشرة بعد نزوله من الحنفية، فيشكل تهديداً أمنياً لسكان هذه المنازل.

والقضية الثانية المتعلقة بمشكلات ما بعد دفن القمامة هي المخلفات السائلة السامة التي تنتج بعد تحلل القمامة بسنوات، وهذه المخلفات السائلة إذا لم نتخلص منها فإنها تلوث التربة من جهة وقد تتسرب إلى أعماق الأرض فتسمم المياه الجوفية التي عادةً ما تستخدم للشرب.

وأخيراً وليس آخراً فإن عملية الدفن في حد ذاتها تلتهم مساحات شاسعة من الأرض، وهذه المساحات في دولة صغيرة كالبحرين تعاني من شح الأرض لأغراض تنموية وإسكانية حيوية، قد لا تكون متوافرة في المستقبل المنظور، أي قد يأت زمان، وهو بالقريب، قد لا نجد فيه موقعاً آمناً وسليماً نتخلص فيه من القمامة.

ولذلك أدعو من الجهات المعنية إعطاء الأولوية لهذه القضية الحياتية الخطيرة ودراستها بشكلٍ علمي وبيئي واستراتيجي، ويمكنهم في هذا الصدد الرجوع إلى كتابي تحت عنوان:"القمامة المنزلية وطرق الاستفادة منها" والمنشور عام 1992.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق