السبت، 8 أكتوبر 2016

بابا الفاتيكان: "تلويث البيئة خطيئة وذَنْب"


أعلن بابا الفاتيكان في الأول من سبتمبر من العام الجاري من مقر الفاتيكان أثناء اجتماعه الأسبوعي وفي اليوم العالمي للصلاة للعناية بالخَلْقْ قائلاً بأن"الله قد مَنَحنا حديقة وافرة، ولكننا حولناها إلى أراضي ملوثة مشبعة بالمخلفات والخراب والقذارة"، كما أكد في خطابه على أن ما يقوم به الإنسان الآن من فسادٍ للبيئة، وتدميرٍ شاملٍ ممنهج لمواردها الطبيعية الفطرية الحية وغير الحية يُعد "إثماً وخطيئة"، وأن على الإنسان طلب العفو والمغفرة من هذه الذنوب التي يرتكبها تجاه مخلوقات الله، ودعا إلى تغيير الإنسان لسلوكياته الجشعة والأنانية اللامسؤولة المبنية على سياسة "زيادة الأرباح بأي ثمن".

 

وفي الحقيقة فإننا كمسلمين لسنا بحاجة إلى مواعظ البابا وتوجيهاته في هذا المجال، فدِيننا الإسلامي الحنيف غني وحافل بهذه التعليمات والمبادئ المتعلقة بحماية البيئة، وأحاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام ثرية بالتوجيهات النبوية الخاصة بسبل حماية الثروة المائية من الناحيتين النوعية والكمية والحفاظ على المورد الهوائي الطبيعي، إضافة إلى صيانة الحياة الفطرية الحية من نباتات وحيوانات والتعامل معها بكرامة وعناية فائقتين، كما أن التراث الإسلامي بشكلٍ عام اعتنى بشكلٍ مباشر بهذا الجانب الحيوي من حياة الإنسان على وجه الأرض.

 

ويكفينا هنا الإشارة إلى المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، والتي تَصُب في جوهرها إلى حماية البيئة ومواردها الحية وغير الحية بهدف استدامة حياة الإنسان وتعزيز امكاناته على عمارة الأرض وبنائها للأجيال المتلاحقة دون الإضرار بأي عنصرٍ أو مُكونٍ من مكوناتها نوعياً أو كمياً، حتى نضمن قُدرة كل جيل على العطاء والإنتاج والاستمتاع بخيرات الأرض جميها والعيش حياة كريمة على سطح الأرض.

 

ومن أهداف الشريعة الإسلامية ومقاصدها النبيلة هي الحفاظ على ما يُطلِق عليه علماؤنا بالضروريات أو الكليات الخمسة، وهي الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل، ولذلك فكل ما يؤدي إلى المحافظة على هذه الأصول الخمسة هو مصلحة وفائدة، وكل ما يعرقل أو يؤثر عليها هو مفسدة ومضرة، ومنعها عن الإنسان مصلحة عامة يجب القيام بها وإعطاؤها الأولية في الاهتمام والتنفيذ. ومن الأمور التي يُجمع عليها علماء البيئة والأطباء وعلماء الاجتماع والاقتصاد هي أن تلويث البيئة، سواء أكانت الهواء أو الماء أو التربة يؤدي إلى انكشاف مظاهر خطيرة تهدد سلامة البيئة وأمنها وعطائها، وتعرقل استدامة حياة الإنسان والكائنات الفطرية على كوكبنا، مثل التغير المناخي، والمطر الحمضي والأسود، وانخفاض غاز الأوزون في طبقة الأوزون، وتحول لون البحار والمحيطات إلى اللون الأحمر أو الأخضر أو البني، مما يعني أن إفساد مكونات البيئة بالملوثات يمثل ضرراً مشهوداً ويتنافي مع أهداف الشريعة في الحفاظ على الكليات الخمسة.

 

أما الدين فهو مجموع العقائد والعبادات والأحكام التي شرعها الله سبحانه وتعالى لتنظيم علاقة الناس بربهم وعلاقات بعضهم ببعض، فالعبادات، مثل الوضوء والغسل وغيرهما لا تتم بالشكل الصحيح إلا بوجود المياه النقية والصافية غير الملوثة، وحماية النفس والنسل ضرورية لبقاء الإنسان واستدامة حياته، والسماح للملوثات للدخول في البيئة من السيارات والمصانع ومحطات توليد الكهرباء يتناقض مع هذا الهدف، إذ أن بعض الملوثات يؤثر على خصوبة الذكر والأنثى مما يؤدي إلى ضعف النسل وقلته مع الوقت، ومن الملوثات ما يؤدي إلى الإصابة بأمراض مزمنة كالسرطان وأمراض الجهاز التنفسي والقلب، ومنها ما يقضي على الإنسان وهو في سنٍ مبكرة وفي ريعان شبابه، وتأكيداً لهذه الحقيقة، فقد نشرت منظمة الصحة العالمية في 27 سبتمبر من العام الجاري تقريراً أكدت فيه أن 90% من سكان العالم يستنشقون هواءً ملوثاً، وأن قرابة ثلاثة ملايين إنسان يموتون سنوياً من أمراضٍ متعلقة بتلوث الهواء.   

 

أما الحفاظ على عقل الإنسان فلا يمكن تحقيقه مع تشبع بيئتنا بالملوثات، فعلى سبيل المثال لا الحصر، عنصر الرصاص حرٌ طليقٌ في بيئتنا منذ أكثر من مائة عام، وأجمعت الدراسات العلمية أن الرصاص يؤثر على القدرات الذهنية للإنسان، ويضعف من مستوى ذكائه، ويخفض من مستوى أدائه العقلي والعلمي، كما أن التلوث يؤدي إلى ضياع المال وخسائر اقتصادية كبيرة، حيث نَشَر البنك الدولي في الثامن من سبتمبر من العام الجاري دراسة شاملة تحت عنوان: "كُلفة تلوث الهواء: إثبات البعد الاقتصادي من أجل اتخاذ الإجراءات"، حيث توصلت الدراسة إلى استنتاجات مخيفةٍ جداً تتلخص في تكبد دول العالم قاطبة لخسائر اقتصادية كبيرة وغير متوقعة وسترهق كاهل ميزانياتها، حيث بلغت الكلفة الإجمالية التي على العالم تحملها ودفعها نقداً من ميزانياتها الخاصة بالتنمية نتيجة للتعرض للهواء الملوث والسام والمسرطن في الداخل والخارج إلى قرابة خمسة تريليونان دولار سنوياً.

 

فمن الواضح إذن أن فساد البيئة يتنافى كلياً مع أهداف الشريعة الإسلامية الخمسة، ولذلك فإن الدين الإسلامي يحارب الفساد البيئي في الأرض، كما يحارب في الوقت نفسه الفساد الأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي، وهذا ما يُطلق عليه المجتمع الدولي الآن بالتنمية المستدامة.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق