السبت، 1 أكتوبر 2016

قادة أَمْنيُون وعسكريون يُحذرون من التغير المناخي



قبل أكثر من أربعين عاماً كُنا نسمع ونقرأ تصريحات صادرة فقط عن علماء البيئة حول التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض، وجميع هذه التصريحات كانت تحذر من شرٍ محتملٍ سيقع، ومن كوراث قريباً ستنزل على كوكب الأرض، ثم جاءت المرحلة الثانية من الاهتمام بهذه القضية البيئية، حيث بدأنا نسمع تصريحات رسمية من رجال السياسة والحُكم وبالتحديد من وزراء البيئة في دول العالم حول واقعية سخونة الأرض وحدوث التغير المناخي وتداعياتها الخطرة والمهددة لاستدامة كوكبنا والحياة عليها.

والآن تطورت واشتدت انعكاسات هذه القضية البيئية وتوسعت تأثيراتها الضارة لتشمل أبعاداً وجوانب لم تخطر على بالنا، ولم يتوقعها أحد منا، فنسمع اليوم تحذيرات ليس من علماء البيئة، أو وزراء البيئة ورجال السياسة، وإنما من رجال الأمن والقادة الأمنيين في بعض دول العالم، مُنبهين جميعهم إلى الجانب الأمني المتعلق بالتغير المناخي ورفع درجة حرارة الأرض، أي أنهم يؤكدون بأن هذه القضية البيئية اليوم خرجت من عباءة التداعيات البيئية المتوقعة لهذه المشكلة الكبيرة ودخلت في دائرةٍ أوسع، وأشد وطأة وضراوة على الإنسانية جمعاء، وهي دائرة الأمن والسلامة واستمرارية الوجود البشري على سطح الأرض.

وقد حذر الخبراء العسكريون وعدد كبير من الشخصيات الأمريكية المرموقة والمختصة بشؤون الأمن القومي الأمريكي في 16 سبتمبر من العام الجاري من "مركز المناخ والأمن" بأن التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض يشكل تهديداً حقيقياً للقواعد العسكرية الأمريكية الساحلية نتيجة لارتفاع مستوى سطح البحر ونزول الفيضانات على المناطق الساحلية، كما أكدوا بأن سخونة الأرض والتداعيات الناجمة عنها ستشعل فتيل النزاعات على المستوى الدولي، وخلصوا بأن "التغير المناخي يشكل تهديداً كبيراً على الأمن القومي الأمريكي والأمن والاستقرار الدولي"، ولذلك هناك حاجة ماسة إلى إعطاء اهتمامٍ أكبر من الحكومة الأمريكية لكافة الأبعاد المتعلقة بالتغير المناخي، كما أوصوا الإدارة الأمريكية بتخصيص وزارة مستقلة لمتابعة تداعيات ارتفاع درجة حرارة الأرض، ورسم الاستراتيجيات والخطط العملية الواضحة لمواجهة هذا التهديد الحقيقي والواقعي.

وفي المقابل أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية في 14 سبتمبر من العام الجاري بأن البنتاجون يؤكد بأن التغير المناخي يشكل "تهديداً مضاعفاً" على الأمن القومي الأمريكي، وبالتالي سيعمل على إدخال وضم البعد المتعلق بالتغير المناخي في كافة أعماله وبرامجه التنفيذية، سواء أكانت متعلقة بتطوير الأسلحة والذخائر واختبارها، أو البرامج الخاصة بإعداد الجنود للحروب ورفع مستوى جاهزيتهم لخوض المعارك.

كما وصف مؤخراً المتحدث عن البيت الأبيض التغير المناخي قائلاً بأنه:"لا يوجد تحدي يهدد مستقبل أجيالنا اللاحقة أعظم من التغير المناخي، فالتغير المناخي لا يحترم الحدود الجغرافية للدول، وليس هناك دولة قادرة لوحدها على مواجهة التغير المناخي".
وعلاوة على ما سبق، فقد قال متحدث باسم وكالة المخابرات المركزية أو الـ سي آي إيه، بأن الوكالة "ستواصل تقييمها لتداعيات التغير المناخي على الأمن القومي"، كما أكد على أن استراتيجية الأمن القومي الأمريكي تَعْتَبر بأن التغير المناخي يمثل "تهديداً متنامياً على أمننا القومي".

وعلى المستوى الدولي، ممثلاً في منظمات الأمم المتحدة المختصة بالبيئة والتغير المناخي وفي مقدمتها الهيئة شبه الحكومية حول التغير المناخي(Intergovernmental Panel on Climate Change)، والتي ومنذ عام 1988 تُصدر تقارير دورية حول التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض وتداعياتها البيئية والاجتماعية والاقتصادية، فقد قررت في تقريرها وتقييمها الخامس لحالة المناخ على مستوى كوكب الأرض، ولأول مرة، إدخال البعد الأمني في التقرير، وتخصيص فصلٍ مستقل عن علاقة التغير المناخي بأمن الدول والحكومات، والحروب والنزاعات المسلحة وحالة عدم الاستقرار التي ستنشب نتيجة لهذه الظاهرة.

فمن الواضح إذن من هذه القضية البيئية بأن الظواهر والمشكلات البيئية لا تبقى "بيئية" إذا استمرت وتفاقمت وتم تجاهل وإهمال حلها ومواجهتها بشكلٍ جذري، وإنما مع الوقت ستظهر لها أبعاد أخرى خطيرة جداً، وستنكشف لها جوانب لا تخطر على بال أحد، كالجانب الأمني الذي يهدد الأمن والسلم ليس على مستوى الدول وضِمْن حدودها الجغرافية الضيقة، وإنما سيتعدى تأثيراتها لتشمل الكرة الأرضية برمتها، ولذلك من الأوْلى، ومن الحكمة قطع رأس المشكلة البيئية وهي في مهدها وفي أول نشوئها وظهورها، قبل أن تتحول إلى غولٍ عظيم لا يمكن السيطرة عليه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق