السبت، 11 أغسطس 2018

هل قضية التغير المناخي تَهُم المواطن البحريني؟


أُصنفُ المشكلات والقضايا البيئية إلى ثلاثة أقسام رئيسة حسب تأثيراتها الجغرافية، وحدود أضرارها على الناس والحياة الفطرية، فهناك قضايا محلية وطنية، أي أن تأثيراتها السلبية تقع عادة على البيئة المحلية وعلى الناس الذين يعيشون في تلك المنطقة، كظاهرة الإثراء الغذائي أو تغير لون المسطحات المائية إلى اللون الأحمر الفاقع أو الأخضر الداكن، أو ظاهرة انقراض الأحياء وفقدان التنوع الحيوي، وهناك مشكلات إقليمية تمتد أيادي أضرارها على منطقة جغرافية أوسع تشمل في بعض الحالات عدة دول كظاهرة الضباب الضوئي الكيميائي والمطر الحمضي، وفي المقابل هناك قضايا بيئية دولية تغطي تأثيراتها الخطرة كل دول العالم وعلى كوكبنا عامة من الشرق إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب، فلا تُستثني أية بقعة صغيرة أم كبيرة، بعيدة أم قريبة، غنية أم فقيرة، متقدمة أم نامية من تداعياتها المهددة لصحة وأمن كوكبنا وكل من يعيش عليها، مثل انخفاض غاز الأوزون في طبقة الأوزون العلوية التي تحمينا من شرور الأشعة البنفسجية المهلكة للحرث والنسل.

 

كذلك هناك القضية الدولية التي شغلت دول العالم منذ أكثر من خمسين عاماً، ومازالت تراوح في مكانها، فلا يعلم رجال السياسة والبيئة كيفية التعامل معها وخفض بصماتها التي تركتها منذ عقود على البيئة والإنسان والكائنات الحية، وهي قضية التغير المناخي، أو ما يُطلق عليه أيضاً بالاحتباس الحراري، أو قضية سخونة الأرض، أو ظاهرة البيت الزجاجي.

 

فالمجتمع الدولي، ممثلاً في منظمات الأمم المتحدة المعنية، يحاول منذ قمة الأرض، أو مؤتمر البيئة والتنمية في ريو دي جانيروا في البرازيل في عام 1992 أن يضح حلولاً دولية مشتركة فاعلة وملزمة للتصدي بشكلٍ جماعي لهذه القضية العالمية التي تُسهم كل دولة، ويسهم كل إنسان وكل حيوان وكل نبات في وجودها وتفاقمها، ولكن هذه الحلول ومنذ ذلك الوقت تفشل في كل محاولة تقوم بها الدول، فمازلنا على حالنا ووضعنا الذي بدأنا فيه عام 1992 فندور في حلقة مفرغة لا نهاية لها.

 

فهل لهذه القضية الدولية المعقدة علاقة بالمواطن البحريني الذي يعيش في جزرٍ صغيرة بالقرب من سطح البحر؟ وهل يتضرر المواطن من مردودات التغير المناخي على المستوى الدولي؟ 

 

لا أريد هنا أن أَلجَ في التفاصيل العلمية المعقدة لهذه القضية، ولكن من أجل التبسيط فإن الإنسان عندما يفتح الكهرباء في منزله، أو مكتبه، أو في مكان عمله، وعندما يشغل سيارته، أو يركب الطائرة، وعندما يستخدم الثلاجات والمكيفات فإنه يطلق ملوثات كثيرة ومتنوعة، على رأسها ثاني أكسيد الكربون، ثم غاز الميثان وأكاسيد النيتروجين، إضافة إلى مركبات الفلورو كلورو كربون والمعروفة بالـ سِي إِف سي، وهذه الملوثات وغيرها تؤدي في نهاية المطاف إلى رفع درجة حرارة الأرض، ولهذا الارتفاع في درجة حرارة كوكبنا تداعيات كثيرة بيئية، وصحية، واجتماعية، واقتصادية تنعكس على كل كائن حي يعيش فوق سطح الأرض.

 

وأول هذه التداعيات وأشدها تهديداً لأمن الإنسان واستدامة وجوده على سطح الأرض هو ارتفاع مستوى سطح البحر الذي ينجم عن ذوبان الثلوج وتمدد وتوسع المحيطات. فهذا الارتفاع في مستوى سطح البحر، مهما كان صغيراً فإنه يؤثر على المنشآت والمرافق الساحلية التي بنيناها بأيدينا سنواتٍ طويلة وسهرنا عقوداً لإنشائها، وقد يكون التأثير تدميراً شاملاً كاملاً لكل هذه المرافق التنموية.

 

ونحن في البحرين، وكل مواطن يعيش على هذه الأرض الطيبة عليه أن يهتم شخصياً بهذه القضية الأمنية البحتة، ويُسهم على المستوى الفردي والجماعي في علاجها ومكافحتها بكل ما أوتي من وسائل وإمكانات لحماية هذه المكتسبات الوطنية التنموية الساحلية من جهة وحماية أنفسنا وأولادنا من كارثة ارتفاع مستوى سطح البحر.

 

فالبحرين مجموعة من أكثر من 36 جزيرة صغيرة منخفضة السطح، وجزء كبير من مساحة البحرين التي بلغت الآن حسب المخطط الهيكلي الاستراتيجي لعام 2016، 934 كيلومتراً مربعاً، يُعد مساحات ساحلية مدفونة من جسم البحر ووصلت إلى قرابة 290 كيلومتراً مربعاً، مما يعني أن كل المنتجعات والمرافق السياحية والصناعية والسكنية التي شيدناها حديثاً وأنفقنا عليها الملايين من الدنانير على السواحل المدفونة ستكون هي الأشد تنكيلاً وضرراً من تداعيات التغير المناخي وارتفاع مستوى سطح البحر، إضافة إلى التأثيرات التي سيعاني منها الناس الذين يعيشون في هذه المناطق الساحلية المدفونة بشكلٍ مباشر.

 

أما درجة التأثير ومستوى الضرر والمساحة من اليابسة التي ستغمرها هذه المياه نتيجة للتغير المناخي، فتعتمد على مستوى ارتفاع سطح البحر، وهناك العديد من الدراسات التي قامت بمحاولة وضع "أرقام" لمستوى الارتفاع حسب التقديرات الحسابية، ولكن مهما كان مستوى الارتفاع، ولو كان قليلاً، فعلينا الأخذ من اليوم بسياسة "الوقاية خير من العلاج"، أو المبدأ "الاحترازي" المبني على سياسة منع وتجنب الضرر قبل وقوعه واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لذلك، سواء من خلال سن التشريعات والقوانين المتعلقة بتحديد مصادر تلوث الهواء وخفض انبعاث الملوثات منها، أو من خلال وضع البرامج التنفيذية لتفعيل هذه القوانين على المستوى الحكومي الرسمي، أو على مستوى الجمعيات الأهلية الطوعية.

 

فالضرر قادم لا محالة، عاجلاً أم آجلاً. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق