الاثنين، 20 أغسطس 2018

تلوث الهواء وقيمة الأراضي، خليج توبلي مثالاً


عندما بدأتْ تنشط حركة تداول العقارات من بيع وشراء في منطقة خليج توبلي في الثمانينيات من القرن المنصرم، كنتُ أتلقى مكالمات هاتفية كثيرة من المواطنين الذين يرغبون في شراء الأراضي، أو المساكن والفلل الجاهزة في تلك المنطقة، وكان هؤلاء المواطنون يريدون أخذ مشورتي ورأيي في شراء العقار في خليج توبلي.

فلماذا إذن يتصل بي هؤلاء المواطنين؟

فأنا لستُ خبيراً في بيع العقارات، ولست متبحراً في أسعار الأراضي في مناطق البحرين المختلفة، فهذه المهنة ليست مهنتي وبضاعتي مُزْجاة في هذا المجال الاقتصادي المتخصص، ولا أعلم عنها إلا القليل غير النافع للناس، وليست لدي خبرة ميدانية عملية فيها، فلماذا هذه الاتصالات المتكررة والمستمرة من الناس ليستشيرونني عند رغبتهم في شراء العقار في خليج توبلي بالتحديد؟

فمشكلة السكن في منطقة خليج توبلي ذي شقين مرتبطين، الأول هو الشق البيئي والثاني هو الشق الصحي الذي ينجم من تدهور البيئة، وبالتحديد الهواء الجوي في تلك المنطقة. فالجميع يعلم بأن هناك مصدراً كبيراً لتلوث الهواء في خليج توبلي وهو وجود أكبر محطة معالجة لمياه المجاري، ومن طبيعية هذا المحطة، مهما فعلنا واتخذنا من احتياطات وإجراءات بيئية وتقنية، فإن هناك روائح عفنة ونتنة تنبعث منها لأنها تتعامل مع مياه المجاري الآسنة.

فعملية معالجة مياه الصرف الصحي أو مياه المجاري تنطلق منها ملوثات سامة كثيرة، ومن سوء حظ الساكنين في تلك المنطقة إن هذه الملوثات لها روائح كريهة تؤذي الإنسان عن بعد ولا يمكن تجاهلها أو غض الطرف عنها، مثل كبريتيد الهيدروجين الحمضي والأمونيا القاعدي، إضافة إلى أن هذه الملوثات لها خصائص حمضية وقلوية، أي انها شديدة التأثير على المواد وعلى الأجهزة التي يستخدمها الإنسان في منزله كالمكيفات وتؤدي إلى تلفها وخرابها بشكلٍ سريع، علاوة على أضرارها المزمنة على صحة الساكنين في المنطقة.

فوجود هذا العامل البيئي الصحي والمصدر الواضح للعيان لتلوث الهواء الجوي جعل الناس يفكرون ملياً قبل شراء أي عقار في المنطقة، بل وإن الكثير منهم صرف النظر عن شراء قطعة أرض أو منزل جاهز في هذه المنطقة الملوثة.

وعلاوة على وجود محطة المجاري كمصدر للتلوث، كانت هناك آلاف الأطنان من حمأة مياه المجاري، وهي المخلفات شبه الصلبة التي تنجم عن معالجة مياه المجاري، التي كانت ترمى في سواحل خليج توبلي فتتحلل مع الوقت حيوياً وكيميائياً وطبيعياً وتنبعث عنها أيضاً ملوثات خطرة روائحها يشمها الإنسان من على بعد كيلومترات طويلة.

فوجود هذا العامل البيئي والصحي جعل البعض يعزف عن الشراء في المنطقة، كما أدى مع الوقت إلى انخفاض أسعار العقار. وهذه الظاهرة المتمثلة في انخفاض أسعار العقارات بشكلٍ عام بسبب التلوث وتدهور صحة البيئة، بدأت تنتشر في كل دول العالم نتيجة لتفاقم مشكلة تلوث الهواء في المدن وتأثيرها المباشر على الصحة العامة والكوارث البيئية التي وقعت عبر التاريخ المعاصر بسبب التلوث، وبخاصة في المناطق الساخنة التي توجد بها مصادر واضحة للتلوث كالمطارات، والمصانع، ومحطات معالجة مياه المجاري، والشوارع المكتظة بالسيارات ووسائل النقل الأخرى، ومحطات الحافلات، ومواقع أبراج الاتصالات، ومواقع دفن المخلفات الصلبة البلدية والصناعية، كما أن ارتفاع وعي الناس في السنوات الأخيرة بالأضرار الصحية التي يعاني منها الإنسان عندما يعيش في بيئة ملوثة وبالقرب من مصادر التلوث، إضافة إلى ازدياد اهتمامهم وإدراكهم بانعكاسات تلوث الهواء، أدى إلى هروبهم من شراء أي عقار في هذه المناطق المشبوهة بالملوثات.

وقد نشرت صحيفة بريطانية مؤخراً تحقيقاً أكدت فيه بأن التلوث يخفض من أسعار العقارات في المنطقة بنسبة تصل إلى 15%،وأن الناس بدأوا يسألون أولاً عن جودة الهواء في المنطقة التي يريدون شراء أي منزل فيها ويستفسرون عن وجود مصادر لتلوث الهواء بالقرب منه، مما أضطر الآن شركات العقار الكبرى إلى شراء برامج بيئية متطورة ومكلفة تُقدم معلومات عن نوعية الهواء في مناطق المدن وتركيز ونسبة الملوثات في كل منطقة.     

ولذلك نجد أنه لأول مرة في تاريخ البشرية يصبح العامل البيئي المتعلق بوجود الملوثات السامة والخطرة ووجود مصادر التلوث بشكلٍ عام، محركاً لسوق العقار، ومسيطراً على الأسعار، ومتحكماً فيها نزولاً أو صعوداً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق