الخميس، 11 أكتوبر 2018

أمريكا تُعلن بأن السجائر الإلكترونية وباء


لم يأت الإعلان بأن تدخين السجائر الإلكترونية تحول إلى وباء في الولايات المتحدة الأمريكية على لسان عالم أو طبيب أو ناشط في مجال منع التدخين، وإنما جاء على لسان أعلى سلطة حكومية مختصة في الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتحديد من رئيس إدارة الغذاء والدواء، حيث أعلن وبكل وضوح وصراحة لا لبس فيها في 15 سبتمبر بأن "استخدام السجائر الإلكترونية أصبح الآن وباءً بين الشباب والمراهقين"، أي أن استخدامها انتشر بشكلٍ سريع غير متوقع في المجتمع الأمريكي، وأن تعاطيها بلغ نسباً مرتفعة جداً وصلت إلى درجة عالية يمكن أن يُطلق عليها بالوباء.

وفي الوقت نفسه حذر هذا المسؤول الحكومي بشدة الشركات المنتجة والمصنعة لهذه الآفة الجديدة بضرورة تقديم خطةٍ تنفيذية خلال شهرين لإبعاد الشباب عن ممارسة هذه العادة السيئة صحياً وبيئياً، كما هدد بقوة بأنه سيتخذ إجراءات قانونية لمنع النكهات والمذاقات في السجائر الإلكترونية، والتي لها دور مشهود في جذب الشباب وترغيبهم لاستخدام هذه السجائر المهلكة لصحة الشباب والأطفال.

ولا شك بأن هذا النداء من رئيس إدارة الغذاء والدواء لم يأت من فراغ، وإنما جاء استجابة لحالة صحية خانقة، وأزمة متفاقمة تهدد الصحة العامة، وبخاصة بين فئات الأطفال والشباب والمراهقين، حيث إن الإحصاءات الرسمية والمشاهدات اليومية أكدت بأن استخدام هذه البدعة الجديدة المتمثلة في السجائر الإلكترونية بدأ في الانتشار بسرعة فائقة بين مجتمع الشباب في المدارس والجامعات كانتشار النار في الهشيم، فسبب لهم السقوط في فخ الإدمان في تعاطيه وتدخينه، ثم التحول مع الوقت إلى القاتل الأكبر للصحة وهو سجائر التبغ التقليدية المعروفة. فالإحصاءات الرسمية الصادرة عن مراكز التحكم في المرض ومنعه تؤكد بأن عدد طلاب المدارس والجامعات الذين استخدموا السجائر الإلكترونية وصل إلى أكثر من مليونين، كما أكدت الأرقام بأن نسبة المدخنين من الشباب خلال هذا العام ارتفع 75% مقارنة بالعام الفائت.

وجدير بالذكر فإن هذه التقارير الحكومية الرسمية والأبحاث الميدانية تُحذر جميعها وتنبه بشدة من نوعٍ خطير جداً من السجائر الإلكترونية بدأ في الانتشار على نطاقٍ واسع وبشكل خاص بين طلاب المدارس، وهو ما يُطلق عليه جُول(Juul). وخطورة هذا النوع تكمن في أنه صغير الحجم جداً، ويكون على شكل ذاكرة الكمبيوتر المستخدمة حالياً(فلاش ميموري)(USB flash)، والتي يمكن إخفاؤها بسهولة ويُسر في الملابس، أو في الحقائب المدرسية الصغيرة فلا يمكن مشاهدتها أو ملاحظتها، ولذلك فإن هذا النوع بالتحديد يشجع ويحفز طلاب المدارس على استخدامه ، فيخفونه عن المدرسين وأولياء الأمور، كما إن هذا النوع الشيطاني من السجائر الإلكترونية لا تنبعث منه الرائحة العفنة والكريهة القوية والمميزة التي تنطلق من السجائر التقليدية، ولذلك يصعب اكتشافه ومراقبته ومعرفة الذين يستعملونه.

وهنا الآن أرى أمامي بوضوحٍ شديد بأن التاريخ يعيد نفسه، بالمشاهد نفسها، وبالأحداث نفسها، وكأن شيئاً لم يتغير، ولكن الفرق هو أن أحداث اليوم تقع مع السجائر الإلكترونية بكل أنواعها وأحجامها، وبالأمس كانت مع سجائر التبغ التقليدية القاتلة، فما مرَّت بها سجائر التبغ منذ الخمسينيات من القرن المنصرم حتى الآن من أحداث وقضايا وملابسات حتى أن حصحص الحق وانكشفت مساوئ التدخين أمام الجميع، تمر بها الآن السجائر الإلكترونية، ولكن مع الأسف دون أن يتعظ الإنسان من هذا المخزون التاريخي الثري للحوادث، ودون أن يتعلم الإنسان من تجاربه وخبراته المعاصرة الغنية، فيقع هو نفسه في الأخطاء نفسها وفي التجارب ذاتها.

فما نشهده اليوم هو في الواقع يجسد حقيقة أبدية خالدة تؤكد بأن الصراع لا ينتهي بين الخير والشر، وبين الحق والضلال، بين من ينشر العادات الصحية السليمة الصالحة للبشر وبين من يُسوق للمنتجات الضارة بالصحة من أجل الربح السريع والكبير، وهذه الحرب الضروس الأزلية لن تنتهي بين من يدعو لحماية البيئة من الملوثات القاتلة وبين من يطلق العنان لكافة أنواع السموم من الولوج في بيئتنا وأجسامنا ويدًّعي خلوها من الأمراض والأسقام، فكلما تخلص المجتمع البشري من آفة ومنتج شيطاني مدمر لصحتنا جاء شياطين الإنس ليعوضوا خسارة فقدان هذا المنتج من الأسواق بمنتج آخر بديل له صفة الشرعية القانونية الرسمية ويزين ويلبس بأحلى أنواع مواد التجميل والحلي وإغراء الناس بكافة فئاتهم العمرية وخلفياتهم الثقافية والاجتماعية، كما تجند الشركات المصنعة لهذه المنتجات  كافة الوسائل العلمية من تقنيات ورجال الإعلام والعلماء لإخراج هذا المنتج في أحلى صورة وأجمل مظهر والتأكيد على سلامته وفاعليته.

ولذلك أدعو حكومتنا ممثلة في وزارة الصحة والتجارة والوزارات الأخرى عدم السقوط في الأخطاء السابقة نفسها التي سقطنا فيها بالنسبة للسجائر التقليدية، والعمل على منع السجائر الإلكترونية بجميع أشكالها وأنواعها واجتثاثها كلياً من مجتمعنا قبل أن يقع علينا كما وقع على شباب أمريكا.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق