الاثنين، 15 أكتوبر 2018

المدخل المتكامل لبناء البيئة الاستثمارية في البحرين


إذا أردنا فعلاً في البحرين أن ننجح في بناء البيئة الاستثمارية المستدامة وتهيئة المناخ الاستثماري المناسب ونستقطب رؤوس الأموال ونجذب الاستثمار الداخلي والخارجي ونحقق في الوقت نفسه قدرة تنافسية عالية مع الدول الأخرى المجاورة وغير المجاورة، فعلينا إتباع ما أُطلق عليه "المدخل المتكامل والشامل".

 

فهذا المدخل يأخذ بعين الاعتبار جميع العوامل المباشرة وغير المباشرة، الصغيرة والكبيرة، ويعمل على تذليل الصعوبات والمعوقات التي لها علاقة بخلق البيئة الاستثمارية وتشجيع وتحفيز المستثمرين من جهة، وإلزام كافة وزارات وهيئات الدولة لتفعيل وتنفيذ العوامل المتعلقة والمختصة بتلك الوزارة أو الهيئة من جهةٍ أخرى، أي أن هذا المدخل المتكامل والشامل يدعو الحكومة إلى أن تعمل كفريق واحد، فكل لاعب في هذا الفريق يقوم بدوره ومسؤوليته حسب تخصص وزارته وهيئته ووفقاً لسياسة واحدة وخطة حكومية مرسومة مسبقاً.

 

وانطلاقاً من هذا المدخل أو الرؤية التكاملية الشاملة علينا تأمين ودراسة كافة العوامل السياسية، والأمنية، والاقتصادية، والتشريعية، والاجتماعية، والبيئية التي تصب في مصلحة تطوير وتحسين البنية الاستثمارية وتوفير البيئة التنافسية والجذابة لتحفيز المستثمرين سواء في الداخل أو الخارج لوضع أموالهم في البلد، أو فتح مصانع ومحلات تجارية ووكالات عالمية أو غيرها. كذلك فإن هذا المدخل المتكامل يحقق مبدأ "التوازن والاعتدال" في كيفية ومستوى التعامل مع كافة مقومات وعوامل توفير البيئة الاستثمارية المستدامة، فلا يطغى الاهتمام بعامل دون العوامل الأخرى، ولا يحظى أحد العوامل بالرعاية والاهتمام الكبيرين على حساب العوامل الأخرى فننساها أو نغفل عنها.

 

فمن أهم مقومات جذب الاستثمار وتشجيع المستثمرين هو توفير البيئة الأمنية والاستقرار في البلد ليشعر المستثمر بالراحة النفسية والطمأنينة الكاملة على نفسه وماله واستثماراته وممتلكاته، ثم في المرتبة الثانية يأتي الجانب الاقتصادي من ناحية وضع وتنفيذ الاستراتيجيات الاقتصادية الموجهة نحو المستثمر في الداخل والخارج، فهناك السياسة النقدية والمالية من جهة وتحديد الرسوم والتعريفات الجمركية والإعفاءات الضريبة وغيرهما من جهةٍ أخرى، على أن تكون كل ذلك واضحة وثابتة لا تتغير كل سنة، وأن تطبق في أرض الواقع، مما يزيد من مصداقية الدولة ويؤكد ثبات سياستها ورؤيتها. وفي المرتبة الثالثة هناك البيئة التشريعية والقضائية من ناحيتي القوانين والأنظمة التي تضعها الدولة خدمة للمستثمر ووضوحاً في الرؤية والتطبيق والشفافية العالية، ومن ناحية النظام القضائي القادر على تنفيذ القوانين وحل الخلافات، فهناك التشريعات الخاصة بالمنازعات والإفلاس والاستثمار وغيرها من القوانين ذات العلاقة. 

 

وهناك أيضاً توفير وتحديث وتحسين البنية التحتية التي تُعد من مقومات نجاح واستدامة الاستثمار في البلاد، مثل التطوير المستمر لهذه البنية التحتية لتواكب الزيادة في أعداد المستثمرين، وتتماشى مع نوعية وحجم المرافق التي يفتحونها، مثل وجود الخدمات الصحية والتعليمية المتطورة والحديثة، وبناء شبكات النقل الجوية والبرية والبحرية والتأكد من سلامتها وأمنها وملاحقتها للتطورات التقنية المتسارعة في هذا المجال والعمل على خفض درجة الازدحام الاكتظاظات المرورية التي نشهدها الآن في البلاد في أوقات الذروة وفي غير أوقات الذروة وفي جميع الشوارع والطرقات، ثم متابعة كل المستجدات على الساحة الدولية الفنية بالنسبة لوسائل الاتصال. كما أن البنية التحتية تشتمل على توفير مصادر المياه والطاقة المستدامة والنظيفة بيئياً، بحيث إنها تراقب وتواكب أي ارتفاع أو زيادة في الطلب على المياه والكهرباء، إضافة إلى تحديث وتطوير آليات وتقنيات معالجة مياه المجاري وتوسعة وزيادة طاقتها في استيعاب الارتفاع في إنتاج هذه المياه، وإتباع أحدث الطرق والتقنيات في إدارة المخلفات البلدية والصناعية السائلة والصلبة من ناحية خفض أو منع إنتاجها كأولوية، ثم تدويرها وإعادة استعمالها كل أمكن ذلك، ثم في نهاية المطاف التخلص الصحي والسليم مما تبقى منها.

 

وإضافة إلى تحديث وتطوير البيئة الأمنية، والاقتصادية، والاجتماعية، والتشريعية، والقضائية التي تصب في الحل المتكامل والشامل لبناء البيئة الاستثمارية الجذابة والمستدامة، فهناك البيئة الطبيعية التي يجب أن لا نغفل عنها ولا نتجاهلها، فهي تعتبر عند الكثير من المستثمرين ورجال الأعمال والمسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من العوامل التي لا تقل أهمية عن العوامل الأخرى في التشجيع والتحفيز على الاستثمار والاستقرار والبقاء فترة طويلة في البلد.

 

والمقصود بالبيئة الطبيعية هي مكونات وعناصر البيئة الحية وغير الحية، والمتمثلة في تحسين نوعية الهواء في البلد ليكون هواءً نقياً صافياً خالياً من الملوثات المرضية القاتلة للصحة، إضافة إلى توفير المياه العذب الفرات الصالحة للشرب ورعاية البيئة البحرية وحماية كائناتها الفطرية لتكون مواقع جذبٍ للمواطنين والمقيمين والمستثمرين، كذلك من الضروري إنشاء مرافق الحياة الفطرية والاهتمام بالمحميات الطبيعية البرية والبحرية وحماية تراثها من نباتات وحيوانات والعمل على تنميتها وتطويرها لتنافس المحميات والمتنزهات الأخرى وتكون فريدة من نوعها. 

 

وخلاصة ما أدعو إليه هو تبني سياسة متكاملة وشاملة، متوازنة ومعتدلة حتى نضمن استدامة تدفق الاستثمار والمستثمرين إلى بلادنا.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق