الخميس، 4 أكتوبر 2018

الحادثة الغامضة مازالت غامضة


حادثة غامضة، ومرض غريب فريد من نوعه نزل على الدبلوماسيين الأمريكيين العاملين في بعض دول العالم مثل كوبا والصين منذ عام 2014، ومازالت هذه الحادثة تحتاج على تفسيرٍ علمي موضوعي، ومازال هذا المرض بحاجة إلى تشخيصٍ طبي سليم وموثوق يُجمع عليه الأطباء والعلماء المهتمين بدراسته وسبر غوره وكشف خفاياه وأسراره.

فالأعراض التي انكشفت على الدبلوماسيين الأمريكيين تتلخص في الصداع المزمن وآلام في الرأس، والشعور بالتعب والإرهاق وصعوبة النوم، وضعف في التركيز والسمع والبصر، وهذه الأعراض انكشفت عليهم بعد أن تعرضوا لأصوات وضوضاء مرتفعة ويشعروا بوجود أمواج صوتية تضرب أجسامهم.

ومن أجل التعرف عن كثب على هذه الظاهرة الصحية الغامضة، قررت وكالة الاستخبارات القومية إضافة إلى الكونجرس الأمريكي التحقيق في هذه الحالة الغريبة وتشكيل لجنة في مايو 2016 للتحقيق الفوري في ملابسات هذه الحالات، حيث قامت اللجنة بتكليف جامعة بنسلفانيا للتعمق في حالات هؤلاء المرضى الذين بلغ عددهم في تلك الفترة 21 دبلوماسياً أمريكياً، ونَشرتْ الجامعة تقريرها في مارس 2017 في مجلة الجمعية الأمريكية الطبية، وكانت نتيجة التقرير أن الأعراض المرضية التي انكشفت على المرضى تتوافق وتتشابه إلى حدٍ كبير مع أعراض المرضى الذين يعانون من تلفٍ وارتجاج في المخ بسبب صدمة في الرأس، أو السقوط من مكانٍ ما، وقد أشارت الدراسة إلى أن هؤلاء قد تعرضوا لمصدرٍ مجهول للطاقة الشديدة، إذ أن الدراسة لم تتمكن من التعرف على هذا المصدر.

ولكن هذه النظرية لم تُقنع بعض علماء الأعصاب والمخ حيث إنهم كتبوا ردوداً علمية نُشرت في المجلة نفسها، وتفيد بأن هؤلاء الدبلوماسيين قد يكونوا أُصيبوا بحالةٍ يُطلق عليها "المرض النفسي الجماعي"، وهي عبارة عن حالة نفسية تُصيب الذين يعانون من ضغوط وتوترات وشدة في ظروف العمل التي تعمل فيها عادة البعثات الدبلوماسية.

واليوم، وبالتحديد في 30 أغسطس من العام الجاري جاءت نظرية أخرى لتفسير الأعراض المرضية التي نزلت على الدبلوماسيين الأمريكيين، ونُشرت في مجلة الكهرومغناطيسية الحيوية(Bio Electro Magnetics)، حيث أشارت بأن التعرض لأشعة الميكروويف الموجودة في أفران الميكروويف التي نستخدمها لتسخين الطعام وفي الهواتف النقالة قد يُفسر هذه الأعراض المرضية الغريبة التي أُصيب بها الوفد الأمريكي في كوبا والصين، فعندما يتعرض الإنسان لأشعة الميكروويف المركزة والشديدة فإنه سيحس بالضوضاء العالية والأصوات المرتفعة، وينعكس هذا على الأمن الصحي من حيث الشعور بالصداع والإغماء والإرهاق ثم تلف وارتجاج في المخ. كما أن البحث المنشور في أكتوبر من العام الجاري في مجلة الحسابات العصبية (Neural Computation) يُقدم الإثباتات والدلائل العلمية التي تؤشر إلى أن "الهجوم بأشعة الميكروويف" هو السبب وراء مرض الأمريكيين.

فهذه النظرية الأخيرة تُسندها الأبحاث العسكرية السرية التي أجرتها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي سابقاً في الستينيات من القرن المنصرم حول إنتاج سلاحٍ جديد له تأثيرات عضوية ونفسية، حيث قام البلدان بإجراء أبحاثٍ ميدانية تجريبية حول إمكانية استخدام "الأشعة الكهرومغناطيسية"، وبالتحديد أشعة الميكروويف غير المرئية كسلاح للتأثير على المخ، وبالتالي التشويش على تصرفات وسلوكيات الإنسان، وأَطلقوا عليه "السلاح النفسي العضوي"، أي السلاح الذي له تأثير ثنائي، فمن جانب له انعكاسات ضارة من الناحية الفسيولوجية العضوية ومن الجانب الآخر له تأثيرات نفسية وسلوكية، وبالتالي تُمكِّن هذا الإنسان الذي صنع هذا السلاح من التحكم في العقل البشري للعدو، وتسييره وتوجيهه كما يشاء.

فأرشيف التاريخ العسكري يفيد بوجود هذا النوع من السلاح الكهرومغناطيسي الذي يَستخدم أشعة الميكروويف، كما أن الوثائق التاريخية تشير إلى أن بعض الدول قد أنتجت بالفعل سراً هذا السلاح وأجرت التجارب الأولية على استعماله ميدانياً.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في قضية المرض الغريب الذي أصاب الدبلوماسيين الأمريكيين في كوبا والصين هو أين هذا السلاح، إنْ كان فعلاً قد تم استخدامه؟ وما اسم الدولة المتهمة باستخدام هذا السلاح الجديد وتنفيذ "الهجوم الكهرومغناطيسي" المزعوم على الأمريكيين؟

ففي تقديري بأن هذه الأسئلة وغير ها الكثير من الشبهات والاستفسارات ستظل تُثار من قبل الناس عامة والمعنيين بالقضية خاصة، وإنني على يقين بأن الوقت والدراسات العلمية الطبية القادمة ستكون كفيلة بكشف أسرار هذا المرض الغامض وإزالة الغمام عن جميع خفاياه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق