الأحد، 30 سبتمبر 2018

كيف ندخل عصر السيارات الكهربائية؟


اطلعتُ في وسائل الإعلام المحلية مؤخراً على خبر مستقبلي هام يتلخص في توجه إحدى الوزارات في الدولة نحو التحول إلى ما يُطلق عليه بالتنقل أو النقل المستدام، واستبدال السيارات التي تعمل بوقود الجازولين والديزل إلى السيارات التي تعمل بالطاقة الكهربائية أو الطاقة الشمسية.

 

هذا التوجه المحمود والمستدام يتواكب مع التغيرات الدولية المتسارعة في مجال النقل، ويتوافق مع متطلبات واستحقاقات المجتمع الدولي المتمثلة في قرارات منظمات الأمم المتحدة ذات العلاقة، وبخاصة القرار التاريخي الذي اعتمدته جميع دول العالم في قمة الأرض ومؤتمر البيئة والتنمية الذي عقد في ريو دي جانيرو في عام 1992، وتمخضت عنه وثيقة هامة جداً هي "جدول أعمال القرن الحادي والعشرين" أو ما يُطلق عليه "أجندة 21".

 

هذه الوثيقة الطوعية غير الملزمة للدول تُقدم حزمة من السياسات التي تحقق التنمية المستدامة للدول، وتُعد خارطة طريق عملية وخطة تنفيذية على المستوى الدولي والإقليمي والوطني في مجال خفض ومنع التأثيرات الجانبية للأنشطة التنموية للإنسان في جميع القطاعات على البيئة والحياة الفطرية.

 

ومن هذه الأنشطة والبرامج التنموية التي تتطرق إليها الوثيقة وتعْتمد لها خطة تنفيذية هي في مجال المواصلات والنقل، حيث خصصت عدة فصول تحت مسمى "النقل المستدام" بمفهومه الشامل والمتكامل، وليس كما يفهمه البعض بأنه يتمثل فقط في التحول إلى السيارات الكهربائية، وكأن السيارات الكهربائية هي الحل السحري الكامل والجذري لأزمة المواصلات المتمثلة في الازدحام والاكتظاظ المروري الخانق من جهة، وتلوث الهواء وتدهور صحته ونوعيته وتعرض الملايين من الناس للأمراض الحادة والمزمنة والموت المبكر من جهةٍ أخرى.

 

فمصطلح "النقل المستدام" يعني تبني أية أداة أو وسيلة للمواصلات والنقل من منطقة إلى أخرى دون إحداث أي أذى لصحة الإنسان وسلامة البيئة والحياة الفطرية، أو في الأقل إتباع الحكمة الشرعية التي تقول "إتباع أخف الضررين وأهون الشرين"، أي خفض الضرر على الإنسان والبيئة إلى الحد الأدنى الممكن والمتاح عملياً والذي يمكن تطبيقه في الواقع دون إيقاع أي خللٍ أو ضرر في مجالات أو قطاعات تنموية أخرى.

 

فالنقل المستدام بمفهومه الشامل يعني إذن التشجيع على المشي واستخدام الدراجات الهوائية كلما أمكن بدلاً عن السيارات، واستخدام النقل العام كوسيلة بديلة عن السيارات الخاصة، واستعمال أنواع الوقود في السيارات التي لا تنبعث عنها أية ملوثات سامة وخطرة، أو في الأقل منخفضة الانبعاث للسموم، بحيث إن كل دولة تتبنى ما يناسبها ويتماشى مع ظروفها الخاصة من هذه الأنواع المتوافرة عملياً لديها.

 

وبناءً على توجهات مملكة البحرين في استخدام الطاقة الكهربائية في السيارات كبديل عن وقود الجازولين والديزل، فإنني أتمنى ألا يكون هذا التوجه وهذا الحماس على الورق فقط وفي أخبار وسائل الإعلام وفي كلمات المسئولين من أجل مناسبة محددة تُقام في البحرين. فهذا التوجه بحاجة أولاً إلى استراتيجية وسياسة حكومية تدريجية معتمدة من مجلس الوزراء وليست من وزارة بحد ذاتها في مجال "النقل المستدام" عامة والسيارات الكهربائية خاصة، ثم اعتماد خطة تنفيذية وطنية عملية وواضحة يبدأ تطبيقها من اليوم وبالتنسيق والتعاون مع كافة الجهات الحكومية من جهة والقطاع الخاص من جهة أخرى من ناحية التشاور معهم ومشاركتهم في اتخاذ القرار وتنفيذ الخطة.

 

فالتحول إلى السيارات الكهربائية لا يمكن أن يكون بين عشيةٍ أو ضحاها، وليس بهذه السهولة والبساطة التي نتصورها، فتنفيذه سيكون عسيراً وصعباً ويحتاج إلى جهودٍ جماعية مشتركة، ولذلك لكي يكون هذا التحول سلساً وينعكس إيجابياً على المجتمع وعلى الناس، ولكي يكون الانتقال من الجازولين والديزل إلى الكهرباء ميسراً وخيراً للجميع، فعلى الحكومة عمل ما يلي من الآن:

أولاً: تدريب الأيدي العاملة على التعامل مع هذا النوع من السيارات من ناحية الصيانة وتقديم الخدمة السليمة والصحيحة والقيام بأعمال الفحص الدوري.

ثانياً: بناء أعدادٍ كبيرة من محطات التزود بالكهرباء في مدن وأحياء البحرين مناسبة جغرافية من ناحية المسافة فيما بينها، والتوزيع العادل حسب الكثافة السكانية.

ثالثاً: إقناع القطاع الخاص على الاستثمار في هذه السيارات الجديدة واستيرادها وإنشاء محطات متطورة للخدمات والصيانة.

رابعاً: دعم هذه السيارات مرحلياً لكي يتمكن المواطن من شرائها بسبب ارتفاع أسعارها حالياً مقارنة بسيارات الجازولين والديزل.

خامساً: القيام بحملة توعية وطنية شاملة لإقناع الناس على شراء هذه السيارات لما لها من أهمية كبيرة تنعكس على صحتهم وصحة أبنائهم والأجيال اللاحقة، وما لها من أهمية لتحسين جودة الهواء ومنع الوقوع في الأمراض الحادة والمزمنة ذات العلاقة بتلوث الهواء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق