الأحد، 2 سبتمبر 2018

بين السماح للشيشة وشراء الأدوية


تقوم حكومتنا مشكورة سنوياً بصرف الملايين على شراء الأدوية والعقاقير الطبية، وإنفاق جزءٍ كبير من ميزانية الدولة على توفير الدواء المناسب لعلاج مختلف أنواع الأمراض التي يعاني منها الناس، وهذا جهد عظيم نُقدره كثيراً ونثمنه لما فيه الحماية لصحة المواطنين وتقديم الرعاية اللازمة لهم وشفائهم بإذن الله من الأسقام والعلل التي تنزل عليهم.

 

وهذا الإنفاق الكبير على شراء الأدوية يمكن خفضه إذا ركزتْ وزارة الصحة وجميع الوزارات والهيئات في الدول على إتباع سياسة "التنمية المستدامة"، وبالتحديد تنفيذ إستراتيجية التنمية المستدامة في المجال الصحي البيئي وتبني المنهج "التحذيري"، أو المنهج "الوقائي" القائم أولاً على منع جميع مصادر المرض كلياً من مجتمعنا واجتثاثها من جذورها، ثم في المرتبة الثانية من الأولويات تقنين وخفض مصادر الأسقام وإدارتها بأسلوبٍ صحي بيئي مستدام، ثم في المرتبة الثالثة من الأولويات تأتي سياسة العلاج وشراء الأدوية للتعامل مع الأمراض التي يتعرض لها الناس.

 

فهناك مصادر معروفة موجودة في مجتمعنا يراها كل مواطن، ولها دوراً مشهوداً أَجْمع عليه الأطباء في تدميره لصحة الأفراد من جهة والصحة العامة من جهةٍ أخرى، بل وهذه المصادر للأوبئة والأمراض بدأت تنتشر في السنوات الماضية دون رقيبٍ أو حسيبٍ نظامي رسمي، وبطرقٍ شرعية وغير شرعية ملفتة للنظر لا يمكن غض الطرف عنها أو تجاهلها.

 

ومن هذه المصادر الملوثة لصحة البيئة والمهلكة لصحة الإنسان هي تعاظم ظاهرة تدخين الشيشة وانتشارها بدرجة ملحوظة في المطاعم، والمقاهي، والمجمعات، إضافة إلى المحلات المتخصصة بتقديم هذا الوباء للناس صغاراً وكباراً، شباباً وشيوخاً، رجالاً ونساءً.

 

فالأمراض التي تنزل على الفرد من تدخين الشيشة ليست محل جدلٍ أو نقاش، أو أنها ظاهرة تحمل صفة "الشُبهة"، أو أنها قضية "خلافية تثير الجدل" من ناحية السقوط في الأسقام والعاهات الصحية، وإنما هناك "إجماع" في المجتمع الطبي الدولي على أن تدخين الشيشة كتدخين سجائر التبغ التقليدية المعروفة من ناحية كمية ونوعية الملوثات السامة والمسرطنة التي تنبعث منها، ومن ناحية إضرارها العميق والمباشر بصحة المدخن نفسه والجالسين حوله.

 

والأبحاث التي تؤكد الأذى الصحي الذي يلحق بمدخن الشيشة كثيرة ولا تكاد تنتهي، وأُتابع تطوراتها منذ زمنٍ بعيد، وسأُقدم لكم اليوم آخر الدراسات حول هذه الظاهرة البيئية الصحية القاتلة للفرد والمجتمع.

 

فقد نشرتْ مجلة الجمعية الأمريكية للقلب في العدد الصادر في الثاني من أغسطس من العام الجاري بحثاً ولتأثير تدخين الشيشة على الإصابة بأمراض القلب،وقد أُجريت هذه الدراسة الميدانية في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس وأكدت على أن تدخين الشيشة لمدة نصف ساعة فقط يولد مخاطر صحية على الأوعية الدموية القلبية وذلك من خلال قياس عدد دقات القلب في الدقيقة الواحدة، وضغط الدم، ودرجة تصلب الشرايين، وتركيز النيكوتين في الدم، وتركيز أول أكسيد الكربون في وقتين مختلفين، الأول قبل تدخين الشيشة والثاني بعد تدخين الشيشة لمدة 30 دقيقة. فتدخين الشيشة لهذه الفترة الزمنية القصيرة جداً أدى إلى زيادة حادة ومباشرة في دقات القلب وارتفاع ضغط الدم،كما زاد من تصلب الشرايين، وهذه كلها من مؤشرات وعوامل الإصابة بأمراض القلب والسقوط في هاوية السكتة القلبية. وهذه الدراسة الحالية تؤكد نتائج الدراسات السابقة المتعلقة بالآثار الصحية والبيئية العصيبة التي يتعرض لها المدخن، وبالتحديد تلك الأضرار التي تلحق بأداء القلب وسلامته على المدى القريب، كالدراسة التي نُشرت في 17 مارس 2016 في دورية الجمعية الأمريكية للقلب.

 

ولذلك ما يحصل عندنا يدعو إلى الحيرة والقلق في الوقت نفسه، فكيف أسمح بيدي لمصادر الأمراض في الانتشار في كل أحياء ومرافق البلاد وأُعرض المواطن مباشرة لكل التأثيرات الصحية الضارة التي تنجم عنها،ثم أبذل كل الجهد والعناء الشديدين، وأضيع الوقت، وأنفق المال الكبير على شراء الأدوية والعقاقير لعلاج هذه الأسقام؟ ألا يعتبر هذا تناقضاً صارخاً في السياسات والاهتمام؟

 

فأتمنى من وزارة الصحة والجهات المعنية الأخرى إجراء سلسلة من الدراسات الصحية والبيئية والاقتصادية حول مصادر الأمراض التي أجمعتْ عليها المنظمات الصحية الدولية وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية، والبدء أولاً في دراسة حول تدخين السجائر التقليدية، والشيشة، والسجائر الإلكترونية من حيث الأمراض التي تنجم عن استخدامها، وكُلفة علاج كل مريض، والخسائر المالية الباهظة التي تكبدها الحكومة لعلاج كل مريض من تشخيص وعلاج ودواء وفقدان في الإنتاجية والعمل، ثم نقارن كل هذه الخسائر المادية بما يُطلق عليه "الضرائب والإيرادات المالية التي تجنيها الدولة من هذه السجائر".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق