الخميس، 20 ديسمبر 2018

تناقضات غربية


لا شك بأن الجميع سمع أو قرأ الخبر التاريخي المنشور في كل وسائل الإعلام العالمية في17 أكتوبر من العام الجاري، والذي يفيد بأن كندا أصبحت أول دول صناعية كبرى تسمح لاستعمال الحشيش لأغراض شخصية وللتسلية والترويح عن النفس وبشكلٍ علني ورسمي، كما تُعد كندا ثاني دولة على المستوى الدولي بعد دولة أوروجواي في عام 2013 تقوم بتحليل الحشيش أو الماريوانا أو نبات القنب.

فالآن في كندا بإمكان كل من يبلغ من العمر 18 عاماً أن يستمتع ويجاهر بتعاطي هذا المخدر دون خجل أو حياء أو تردد، ودون أن يبتعد عن أنظار الناس ويدخن في الخفاء وفي جنح الظلام، فقد لاقى هذا السماح الحكومي للحشيش إقبالاً منقطع النظير، حيث وقف الآلاف من الناس الذين جاؤوا من كل حدبٍ وصوب منتظرين بشوقٍ ولهف شديدين وبفارغ الصبر قبل فتح المحلات التجارية التي تبيع الحشيش لساعات طويلة، وكأنها طوابير شراء الخبز التي نشاهدها في بعض الدول، حتى أن المخزون الموجود للحشيش في هذه المحلات نفد بعد سويعات من دق ساعة الافتتاح. ونتيجة لهذا النجاح الباهر والكبير للسماح لتدخين الحشيش فإن شركات ومزارع إنتاج الحشيش في كندا أصبحت تعاني من نقص في العمالة لمواكبة عملية الإنتاج والتسويق، بحيث أنها تضطر إلى الاستعانة بالعمالة الأجنبية، وفي مقدمتهم المهاجرين من أمريكا الجنوبية، حسب ما ورد في صفحة البلومبرج في الثالث من ديسمبر من العام الجاري.

فكل هذه الأخبار والمظاهر أصبحت مشهودة أمام الجميع ومعروفة للناس حول العالم، ولكن هناك خبراً آخر ذا أهمية كبيرة وبالغ الخطورة نُشر بعد أسابيع من الخبر الأول، وبالتحديد في 11نوفمبر من العام الجاري في بعض الصحف الغربية، وإني على يقين بأن هناك القليل من الناس الذين اطلعوا على الخبر، أو أعطوه العناية والرعاية التي تناسب حجم وأهمية الخبر.

فبعد أن جعلتْ كندا الحشيش حلالاً طيباً ومتوافراً وبكل سهولة للجميع، سواء عن طريق المحلات التجارية أو عن طريق الطلب المباشر من خلال الإنترنت، قامت السلطات الحكومية نفسها بالشروع في حملة توعية شعبية على مستوى كندا برمتها، وخصصت من أجل نجاح هذه الحملة مبلغاً كبيراً جداً يصل إلى 83 مليون دولار، وهذا المبلغ المحدد من أجل الإنفاق على حملات دعائية مضادة لقرار الحكومة المتعلق بتحليل الحشيش، حيث إن هذه الحملة موجهة للشعب الكندي خاصة، وبالتحديد بين فئة الشباب، فتهدف إلى نصح الشباب والمراهقين وإقناعهم إلى عدم تدخين الحشيش، وتوجيههم إلى الابتعاد عن تعاطيه، وتبين لهم الأضرار الصحية والاقتصادية والاجتماعية التي تنجم عن استعمال الحشيش!

كما أن هذا الجهد الإعلامي الحكومي الشعبي يوجه صوته أيضاً إلى الآباء والأسر الكندية ليُعرفهم على الإنعاكسات التي تهدد صحة المجتمع برمته بسبب الحشيش، وتدعو الآباء إلى تحصين أبنائهم منذ الصغر على تجنب الوقوع في مرض تدخين الحشيش وإبعاد أبنائهم عن رفقاء السوء والشر المنحرفين.

فما يحصل في كندا أمر غريب جداً لا يقبله العقل والمنطق الرشيد والسليم، ويبين لي التناقضات التي تعاني منها المجتمعات الغربية، فهي في حالة كندا تُحَلل من جهة تعاطي الحشيش بشكلٍ رسمي وتسمح على مصراعيه بفتح محلات بيعه وتسويقه، وفي الوقت نفسه ترهق كاهل الميزانية بمبالغ طائلة من أجل إبعاد الناس عن تدخينه واستعماله وإقناعهم بالمردودات الخطيرة على المجتمع والتي تنجم عن استخدامه، وتقول لشباب كندا "لا تدخنوا الحشيش" فهو ضار لكم ولصحتكم!

والطامة الكبرى فإن هذه التناقضات التي يعيشها الغرب بدأت عدواها تنتقل إلى دول الشرق، وبالتحديد في قضية تحليل استخدام الحشيش والسماح بتعاطيه للجميع. ففي تايلندا على سبيل المثال، يصنف الحشيش الآن كمخدر من الصنف الخامس، مما يعني أن امتلاك الحشيش وزراعته يعرض المخالف لعقوبة لا تتجاوز 15 عاماً، ولكن البرلمان التايلندي يدرس حالياً إعادة تصنيف الحشيش والسماح باستخدامه بأسلوب مقنن ومنظم والعمل على استعماله للأغراض الطبية. كذلك يستعد مجلس الوزراء الماليزي لمناقشة كيفية التعامل مع الحشيش في المستقبل ومنها تخفيف العقوبات على الجرائم المتعلقة بالحشيش، وفي هونج كونج عقد مؤتمر في الثاني من نوفمبر حول فرص الاستثمار في الحشيش،حسب ما ورد في التقرير المفصل حول مستقبل الحشيش في دول شرق آسيا والمنشور في صحيفة تصدر في هونج كونج(South China Morning Post) في 12 نوفمبر 2018.

ولذلك فمرض التناقضات الغربية الذي ضرب المجتمعات الغربية بدأ يزحف إلينا يوماً بعد يوم، فتحليل الحشيش والسماح لاستخدامه أمام الملأ لم يبدأ بين عشية أو ضحاها، وإنما مرَّ تدريجياً بعدة مراحل استغرقت سنوات طويلة، أولها مرحلة عدم تجريم الحشيش بشكلٍ عام وتخفيف العقوبات على كافة الجرائم ذات العلاقة بالحشيش، سواء من ناحية حيازته، أو استعماله، أو بيعه وتسويقه، ثم تأتي المرحلة الثانية والتي تتمثل في السماح للحشيش في نطاق ضيق وهو استعماله لأغراض طبية في الدواء والعلاج، وأخيراً تأتي مرحلة فتح الباب على مصراعيه والسماح لاستخدامه لأغراض شخصية والترفيه والترويح عن النفس وبالتالي بيعه في كل مكان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق