الاثنين، 3 ديسمبر 2018

تقرير الكونجرس حول التغير المناخي والواقع في البحرين


في حين أن الرئيس الأمريكي ترمب مازال مشككاً في وقوع التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية ومستبعداً لدور أنشطة الإنسان التنموية في حدوث هذه الظاهرة، تأتي الجهات الحكومية الأمريكية الرسمية نفسها فتعلن تقريراً تؤكد فيه بأن التغير المناخي واقع مشهود، وتثبت بأن أيدي الإنسان لها دور في إفساد الأرض وتعريضها للوعكة الصحية المناخية وما يصحبها من تهديدات عصيبة على الولايات المتحدة الأمريكية خاصة والكرة الأرضية عامة.

 

فقد كلَّف الكونجرس الأمريكي في عام 1990 الإدارة القومية للمحيطات والغلاف الجوي(نُوا) التابعة لوزارة التجارة إجراء تقييمٍ للمناخ كل أربع سنوات على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية، وتقديم آخر المستجدات والتطورات حول التغيرات المناخية وتداعياتها على المستوى القومي، حيث نُشر آخر تقرير في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في عام 2014، واليوم، وبالتحديد في 23 نوفمبر نشر المجلد الثاني للتقرير الرابع والذي يتكون من 1656 صفحة ويحتوي على 16 فصلاً حول قضايا الماء والمحيطات والطاقة وصحة الإنسان، إضافة إلى 12 فصلاً حول القضايا المجتمعية المتعلقة، علماً بأن هذا التقرير أعده فريق مكون من 13 وكالة اتحادية، وشارك فيه 300 عالم أمريكي معظمهم من خارج السلك الحكومي.

 

وقد قدَّم التقرير صورة قاتمة مظلمة حول مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والأمن القومي، وأكد بأن أمريكا ستواجه تحديات مستقبلية جمة وعصيبة ناجمة عن انعكاسات التغير المناخي، وستتعرض لتهديدات حقيقية واقعية مخيفة نتيجة لارتفاع درجة حرارة الأرض ومردوداتها الرهيبة على البيئة والمجتمع الأمريكي برمته.

 

وقد اطلعتُ على ملخص التقرير وأهم الاستنتاجات التي تمخضت عنها، وأُقدم لكم فحوى هذه النتائج. فمن الناحية الاقتصادية، أفاد التقرير بأن تداعيات التغير المناخي ستؤدي إلى انكماش الاقتصاد الأمريكي، وستكبده خسائر مادية فادحة تقدر بالمليارات سنوياً، أو أكثر من 10% من الـ جي دي بي، أو الناتج المحلي الإجمالي مع نهاية القرن الجاري. فمن تداعيات التغيرات المناخية هو سخونة الأرض وارتفاع درجة حرارتها، وهذا الارتفاع في درجة حرارة الجو سيؤدي إلى موت الكثير من الناس وخفض إنتاجيتهم في العمل وفقدان وظائفهم، وسيكلف الخزينة الأمريكية نحو 141 بليون دولار، في حين أن ارتفاع مستوى سطح البحر الناجم عن ارتفاع الحرارة سيدمر البنية التحتية الساحلية من قواعد عسكرية، وجسور والشوارع، ومباني وعمارات سكنية وتجارية، ومنشآت سياحية ساحلية، وقد قدَّم التقرير تقديراً لهذا الدمار بنحو 32 بليون دولار.

 

كذلك هناك خسائر اقتصادية تتمثل في تدهور المحاصيل الزراعية من الناحيتين النوعية والكمية، فستنخفض جودة المحاصيل بشكلٍ جذري وسيتأثر المحصول الزراعي بشكلٍ عام بسبب سخونة الأرض والفيضانات التي ستقع في المناطق الساحلية، إضافة إلى التأثير المباشر على إنتاج الألبان، مما يكلف القطاع الزراعي مبالغ باهضة يصعب تقديرها. وعلاوة على ذلك فإن بعض الملوثات التي تنتج عن الأنشطة التنموية للإنسان، وبخاصة غاز ثاني أكسيد الكربون يزيد من حموضة البحار والمحيطات، مما يؤثر سلباً على الصيد السمكي، وسيكبد هذا القطاع خسائر فادحة، ناهيك عن التأثير المباشر على الأمن الغذائي.

 

والآن وبعد هذه الحقائق الدامغة والأدلة الشافية حول انعكاسات التغير المناخي وسخونة الأرض على بيئة أمريكا واقتصادها وأمنها القومي، ماذا سيكون موقف ترامب؟ وكيف سيواجه هذه الحقائق؟

 

فمن المعروف أن لترامب مواقف مُعادية مُنكرة لظاهرة التغير المناخي وكان يثير الشكوك حول واقعيتها، فهو لا يعترف بدور الإنسان وبرامجه وأنشطته التنموية المتمثلة في حرق الوقود في السيارات والطائرات ومحطات توليد الكهرباء والمصانع في وقوع هذه الظاهرة ورفع درجة حرارة الأرض، ففي السنوات الماضية أعلن ترمب بأن التغير المناخي "خدعة"، وأن الصينيين ابتدعوا هذه الفكرة للتأثير على الاقتصاد الأمريكي، كما قام خلافاً على الإجماع الدولي في الانسحاب من اتفاقية باريس المتعلقة بالتغير المناخي، كما ألغى خطة الرئيس السابق أوباما المتعلقة بالإنتاج النظيف للطاقة والتخلص التدريجي من الفحم كمصدر لتوليد الكهرباء ومصدر رئيس للملوثات المسؤولة عن حدوث التغير المناخي وسخونة الأرض.

 

ففي تقديري ومن خلال مراقبتي لتصرفات ترمب في مجالات كثيرة وقضايا أخرى متعددة، فإنه سيدفن هذا التقرير الفيدرالي الحكومي في "الرف" وفي مدافن الأرشيف الخاص بالتقارير في البيت الأبيض، ولن يغير هذا التقرير من سياساته السابقة والحالية تجاه أزمة التغير المناخي على المستويين القومي والدولي، وخاصة أنه صرح قائلاً وبكل وضوح في 26 نوفمبر: "أنا لا أُصدق ما ورد في التقرير"!

 

والآن بعد أن عرفنا حقيقة الأضرار الكارثية التي تنجم عن التغير المناخي في كافة القطاعات، وعلى دولة قوية ومستقرة ذي إمكانات هائلة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، فماذا سيكون تأثيرها على جزيرة صغيرة في مستوى سطح البحر مثل بلادنا البحرين؟

 

فعل نحن نأخذ هذه الظاهرة على محمل الجد ونتخذ التدابير والإجراءات اللازمة لمواجهتها من الآن قبل أن تستفحل؟ أم أننا ننتظر أن تقع الطامة الكبرى، ثم نتحرك بدون جدوى؟

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق