الأربعاء، 26 ديسمبر 2018

هل نُطبق التنمية المستدامة في واقعنا؟


منذ عام 1992 وأنا أقرأ وأكتب عن مفهوم التنمية المستدامة الذي خرج إلى الأضواء الدولية في قمة الأرض أو مؤتمر الأمم المتحدة الذي عقد في ريو دي جانيرو حول البيئة والتنمية والذي يُعد من أهم المؤتمرات الدولية التي عقدت في مجال البيئة، حيث تمخض عنه عدة لجان ووثائق مفصلية مازالت تعيش معنا إلى يومنا هذا مثل لجنة التنمية المستدامة، وإعلان ريو المتعلق بالبيئة والتنمية، وخطة عمل دولية حول البيئة والتنمية والتي أُطلق عليها جدول أعمال القرن الحادي والعشرين(أجندة 21).

 

ولذلك نجد أن كل الدول الآن تتحدث عن التنمية المستدامة، وتُدرج هذا المفهوم في أدبياتها ووثائقها الرسمية، ولكن المعضلة تكمن كالعادة في ضعف تنفيذ روح التنمية المستدامة وأبعادها المختلفة عند رسم السياسات، ووضع الاستراتيجيات، واتخاذ القرارات، وتطبيق التشريعات، فهي تحولت إلى عبارة تُزين بها التصريحات السياسية، وتجمل بها الكلمات والخطب الرنانة، فأصبحت نظرية جمالية لا تنفيذ لها فعلياً في واقعنا الحالي المشهود.

 

فمبادئ وأسس التنمية المستدامة تقوم على ثلاثة أبعاد رئيسة، وتعتمد على تطبيق ثلاثة جوانب تنموية أساسية هي التنمية الاقتصادية، والتنمية الاجتماعية، والتنمية البيئية، إضافة إلى تحقيق التنمية السياسية والأمنية البعيدة الأمد. وهذا يعني أن أي قرار نتخذه على كافة المستويات في الدولة يجب أن يخضع لهذه الأبعاد، فيجب دراسة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والسياسية والأمنية المتعلقة بهذا القرار، والتي قد تنجم عند اتخاذها وتنفيذها في أرض الواقع، لكي نضمن أولاً إستدامة هذا القرار، وثانياً نخفض ونقلل من انعكاساته ومردوداته السلبية على المجتمع برمته.

 

فالواقع يشير إلى أن الكثير من دول العالم لا تتبع هذا المنهج عند اتخاذ القرار، ولا تأخذ بجدية كافة الأبعاد والجوانب المتعلقة بالقرار، والتي هي تحقق مفهوم التنمية المستدامة.

 

ففي البحرين، على سبيل المثال، عمليات دفن السواحل وحفر البحر، وبخاصة في السنوات الماضية  كانت تنفذ باتخاذ قرار اقتصادي مالي بحت ذي جانبٍ واحدٍ يتيم لا روح فيه، أي اختيار المنطقة الساحلية الضحلة والتي تكون الأرخص ثمناً والأقل كلفة للدفن، دون الأخذ في الاعتبار أبعاد التنمية المستدامة الأخرى مثل البعد الاجتماعي المتمثل في خسارة مناطق الصيد التقليدي وفقدان المئات من المواطنين للمهنة والحرفة الوحيدة التي يعرفونها والانعكاسات السياسية والأمنية لهذا القرار، ثم عدم دراسة الخسائر البيئية الناجمة عن دفن تلك المنطقة الساحلية. وعلاوة على ذلك، لم تتم دراسة الجانب الاقتصادي المعاكس والمتعلق بالخسائر الاقتصادية الناجمة عن فقدان الثروة السمكية وأهم مورد فطري يحقق الأمن الغذائي للبحرين.

 

وفي المقابل أيضاً تُتخذ قرارات كثيرة لا تأخذ بعين الاعتبار كافة أبعاد التنمية المستدامة، حيث نُفذت قرارات متعلقة برفع الدعم عن العديد من السلع وفرض ضريبة القيمة المضافة دون إجراء دراسات تفصيلية معمقة حول الجانب الاجتماعي والسياسي والأمني والبيئي الذي قد ينعكس عند تطبيق مثل هذه القرارات، وهذا يعتبر ضعفاً في تنفيذ أهداف ومبادئ التنمية المستدامة.

 

فالتنمية المستدامة إذن يجب أن لا تكون شعاراً يرفع أمام الناس وأمام المجتمع الدولي، وإنما يجب أن تتحول إلى واقعٍ فعلي ملموس يطبق بطريقةٍ سليمة وشاملة، فيشهد الناس انعكاساتها الإيجابية علي إستدامة حياتهم ورفع مستواهم المعيشي، وبالتالي تكون تنميتنا فعلاً مستدامة.

هناك تعليق واحد:

  1. أشكرك على هذا المقال الجميل وأتفق معاك... أصبحت القرارات من أجل منفعة مادية لأشخاص معينين ولا للمنفعة العامة أو استدامة الدولة.... والله يعين الأجيال القادمة

    ردحذف