الخميس، 29 نوفمبر 2018

إلى تجار السيارات


نشرتْ عدة صحف غربية خبراً يجب أن نقف عنده حكومة وشعباً ورجال أعمال، فلا ندع مثل هذا الخبر الهام يمر علينا مرور الكرام، فعلينا أن نُحلل هذا الخبر من جميع جوانبه وأبعاده، ونفهم مقاصده وأهدافه، ثم نرسم سياساتنا المستقبلية ونبني عليه استراتيجيات واضحة في مجال النقل عموماً والسيارات بشكلٍ خاص، وبخاصة أننا في البحرين نعاني من أزمة خانقة متعلقة بالازدياد المطرد في أعداد السيارات والازدحام المروي المتعاظم وتدهور نوعية الهواء الناجم عن عوادمها وتداعياتها المزمنة على الصحة العامة، وهذه الأزمة العصيبة تتفاقم بشكل ملحوظ ومشهود لكل مواطن ومُقيم ساعة بعد ساعة كل يوم.

فقد نشرتْ "البلومبرج" المختصة في أخبار الاقتصاد على كافة المستويات، ومجلة والْ ستريت جُورنل خبراً في 16 نوفمبر من العام الجاري تحت عنوان: "الفولكس واجن تُنفق 50 بليون دولار على السيارات الكهربائية"، حيث جاءت تفاصيل الخبر في أن الفولكس واجن، وهي تعد من أكبر الشركات المصنعة للسيارات على المستوى العالمي قد وضعت خطة خمسية للتحول من سيارات الاحتراق الداخلي التي تعمل بوقود الجازولين أو الديزل إلى سيارات حديثة تعمل بالطاقة الكهربائية، بحيث إن تنفيذ هذه الخطة يكتمل بحلول عام 2025. فهذا المبلغ الضخم الذي هو أكبر من ميزانية بعض الدول لم يخصص عشوائياً واعتباطاً وبدون دراسة مستقبلية معمقة أو بدون استشراف لاحتياجات السوق في السنوات القادمة، وإنما تم تحديد هذا المبلغ اقتناعاً من المعنيين في الشركة بأن المستقبل سيكون للسيارات الكهربائية، وأن سيارات الديزل والجازولين وغيرهما من الوقود الأحفوري ستحال قريباً إلى التقاعد، وسيكون مكانها في المتاحف المتخصصة في السيارات القديمة ووسائل النقل.

وفي السياق نفسه نشرتْ صحيفة التليجراف البريطانية مقالاً في 18 نوفمبر حول قيام مستثمرين بريطانيين بوضع مبلغ 50 مليون دولار للاستثمار في وسائل النقل الكهربائية في شركة سويدية متخصصة في صناعة الدراجات الكهربائية.

أما الصين فهي تسابق الزمن وتتنافس بشدة مع الشركات الغربية العملاقة متعددة الجنسيات من أجل الاستحواذ على سوق السيارات وأخذ الريادة في هذا القطاع الحيوي الهام، حيث نشرتْ صحيفة جنوب الصين الصباحية(South China Morning Post) التي تصدر في هونج كونج مقالاً في 19 نوفمبر من العام الجاري حول مستقبل السيارات الكهربائية، وأفاد المقال بأن الصين تضخ مليارات الدولارات للاستثمار في هذه السيارات الجديدة وتقديم التسهيلات والمحفزات الاقتصادية وغير الاقتصادية والدعم اللازم بكل أنواعه للشركات المصنعة لها، وتعمل جاهدة ليلاً ونهاراً على إنتاج جيل جديد من السيارات الكهربائية التي تتميز بتقنيتها العالية المتطورة، والجودة الراقية والممتازة، والمواصفات الرفيعة وذلك بهدف منافسة الشركات العالمية الأخرى في المجال نفسه، وصناعة أول سيارة كهربائية فريدة من نوعها تتحدي السيارات الغربية واليابانية بشكلٍ خاص.

كل هذه المقالات والأخبار من المفروض أن تفتح عيون المستثمرين في قطاع النقل عامة وتجارة واستيراد سيارات الركاب الشخصية بصفةٍ خاصة، حيث إن عليهم قبل أن يفوتهم القطار أن يلحقوا به ويكونوا من ركابه الأوائل من الآن، فيقوموا بالخفض التدريجي في الاعتماد على استيراد سيارات الجازولين والديزل والتوجه مباشرة نحو سيارات الكهرباء، مما يعني أن عليهم البدء في دراسة تفصيلية معمقة لكل ما هو متعلق بالسيارات الكهربائية، سواء من ناحية حجم السيارة ونوعيتها وسعرها، أو من ناحية البنية التحتية والعمالة اللازمة لهذا النوع الجديد من السيارات، كخدمات الصيانة، ومحطات التزود بالوقود الكهربائي، وغيرها من القضايا ذات العلاقة.

ولكي أَكونَ مُنْصفاً للتجار المستثمرين في قطاع السيارات، فإن على الحكومة توفير "الغطاء السياسي" لهذا النوع الجديد من السيارات من خلال تبني سياسات واضحة تؤكد توجهها في المستقبل القريب نحو الاعتماد على سيارات الكهربائية، وأن تعمل الحكومة على اتخاذ قرارات تنفيذية تصب في هذه السياسة العامة، فمثل هذا الغطاء السياسي الحكومي سيكون نقطة انطلاق قوية للتجار وأصحاب رؤوس الأموال، وسيعد دافعاً قوياً لهم جميعاً، وسيشجعهم ويحفزهم على وضع أموالهم في هذا القطاع الجديد.

فالتوجه العالمي الذي نشهده الآن في كل دول العالم للزحف بسرعة نحو السيارات الكهربائية جاء بعد تبني دول الغرب والشرق لسياسات واستراتيجيات حكومية رسمية قوية وواضحة، ومن خلال إرسال رسائل مباشرة للمستثمرين وشركات السيارات في الولوج بقوة نحو هذا القطاع الحيوي. فعلى سبيل المثال، أطلقتْ القارة الأوروبية في يوليو من عام 2017 رؤيتها المستقبلية واستشرافها لمصير السيارات التي نستعملها اليوم، وبالتحديد في مجال نوعية الوقود الذي يشغل السيارات، حيث تمثلت سياستها ورؤيتها في حظر بيع واستخدام السيارات التي تعمل بالديزل والجازولين بحلول عام 2040، والتحول كلياً إلى السيارات الكهربائية كبديل صديق للبيئة، وعلاج لوباء تلوث الهواء القاتل للبشر والنبات والحجر.

ولذلك أتمنى من مجلس الوزراء الموقر الاهتمام أكثر بقضية السيارات بشكلٍ عام ووضعها في أعلى سلم الأولويات لما لها من أبعادٍ خطيرة على المجتمع البحريني برمته في القطاع المروري والصحي والبيئي والاقتصادي، والشروع في تبني سياسات واضحة متعلقة بقطاع النقل والسيارات، وبشكلٍ خاص في تشجيع استيراد السيارات الكهربائية ودعمها وتقديم التسهيلات اللازمة لها لكي تكون مؤشراً إيجابياً للتجار والمستوردين وأصحاب المال للدخول في هذا المجال الجديد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق