الجمعة، 16 نوفمبر 2018

انتخاباتْ من غير مخلفات


أتمنى في الانتخابات القادمة أن نرفع حكومة وشعباً شعاراً بيئياً وصحياً واقتصادياً هو "انتخابات من غير مخلفات"، أي أننا نتجنب وضع الإعلانات الدعائية للمرشحين للانتخابات النيابية والبلدية على الشوارع العامة وفي الطرقات والأحياء، وهذه الدعوة مستندة على عدة أسس ومبادئ تنبع من سياسات الحكومة واستراتيجياتها المعلنة.

فالسياسة الحكومية الأولى هي تبني وتنفيذ مبادئ التنمية المستدامة التي تعتمد على أن يكون القرار الحكومي متماشياً مع أهداف التنمية المستدامة التي أقرها كل دول العالم في قمة الأرض التي عقدت في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية في يونيو عام 1992، والتي تنُّص على أن أي قرارٍ حكومي أو غير حكومي يجب أن يأخذ في الاعتبار كافة الجوانب التنموية وفي جميع القطاعات، وأن يتوافق هذا القرار مع الاعتبارات والأبعاد الأخرى غير البعد الاقتصادي الذي عادة ما يؤخذ في الحسبان.

فالقرار الحكومي يجب أن يصب في مصلحة التنمية الاقتصادية جنباً إلى جنب مع المصالح الأخرى، كالتنمية الاجتماعية والبيئية والسياسية والأمنية، وأن لا يطغى أحد الجوانب على الجوانب الأخرى، فتخرج القرارات عندئذٍ متوازنة ومعتدلة وتتوافق مع جميع المصالح الشعبية، وسيُكتب لها الاستدامة وطول العُمر.

فالقرار المتعلق بالسماح لوضع اللوحات الإعلانية أثناء الانتخابات العامة لا يتوافق مع الجانب البيئي الذي هو أحد أركان التنمية المستدامة الرئيسة، ولذلك فهذا القرار غير مستدام بيئياً ويعمل ضد أهداف تحقيق التنمية المستدامة التي تدعو الحكومة إلى تنفيذها، فهذه اللوحات تتحول بعد موسم الانتخابات إلى مخلفات صلبة يتحمل عبؤها ومسؤولية التخلص منها الجهات الحكومية، مما يشكل عبئاً وثقلاً إضافياً على الأجهزة الحكومية المعنية، وبخاصة إذا علمنا بأننا في البحرين نعاني أصلاً من أزمة بيئية وصحية خانقة تتمثل في الارتفاع المطرد والمشهود لأحجام وكميات المخلفات التي تنتج في البلاد، فهي بلغت مستويات مرتفعة جداً مقارنة بمساحة البحرين، وتقدر بأكثر من 1.5 مليون طن سنوياً، ومعظم هذه المخلفات إن لم يكن كلها يكون مصيرها إلى الدفن في مواقع ردم المخلفات الصلبة جنوب البلاد.

وقد قمتُ بتحليلٍ سريع وبسيط لهذه المخلفات من حيث نوعها وحجمها ووزنها، فهي تتكون بشكلٍ رئيس من الأسمنت والخرسانة المسلحة، والمواد البلاستيك، والورق، والأخشاب، والحديد، وقدرتُ كمياتها الإجمالية بنحو 860 طناً من المخلفات الصلبة.

والسياسة الحكومية الثانية هي التوجه نحو الحكومة الإلكترونية والتي حسب فهمي فإن أحد أهدافها هو التخلص من المعاملات والاستخدامات الورقية اليومية، إضافة إلى تسهيل وتسريع إنجاز الأعمال الحكومية والمعاملات الرسمية للوزارات والهيئات والمجالس الحكومية، وبالتالي خفض إنتاج المخلفات الورقية الصلبة وتقليل العبء على مواقع دفن المخلفات، ولذلك فإن قرار منع اللوحات الإعلانية جميعها يصب مباشرة في أهداف الحكومة الإلكترونية.

والنقطة الثالثة التي تحفزني وتشجعني إلى الدعوة لمنع اللوحات الإعلانية في الطرقات هي الجانب المروري، حيث إن هذه اللوحات تلهي السائق عن الطريق وتشغله عن التركيز على السياقة للاطلاع والقراءة لما تحتويها ولو لثوانٍ معدودة، فهذه الثوان البسيطة والقصيرة كافية لوقوع الحوادث المرورية المؤلمة والقاتلة، كما إن هناك بعض اللوحات الإعلانية التي تُعيق الرؤية، وتقلل من تركيز السائق عند السياقة.

والنقطة الرابعة والأخيرة فهي الناحية الجمالية لطرقاتنا وشوارعنا وأحيائنا، فهذه اللوحات تشوه المنظر العام للبحرين، وتعكر جمالها وحسنها وتفسد مظهرها، فكل واحدة من هذه اللوحات توضع بطريقة  عشوائية مختلفة عن الأخرى، فلا تناسق بينهما، وتجدها في كل مكان، حتى على الدوارات، وهذه المشكلة الجمالية تتفاقم وتصبح مشهودة للعيان عند هطول الأمطار وهبوب الرياح حيث تسقط هذه اللوحات على الأرض، أو تنحني راكعة بعض الوقت قبل سقوطها كلياً، وبعضها يتناثر وينتشر في الشوارع والأحياء، وتبقى على هذه الحالة المؤذية للنظر فترة طويلة من الزمن حتى ينتهي موسم الانتخابات، وبعضها يظل فترة أطول من الزمن وبالتحديد بالنسبة للذين لم يحالفهم الحظ في الفوز.

ويمكن استبدال هذه الوسيلة الإعلانية القديمة التي أكل عليها الدهر وشرب بالوسائل الحديثة التي تصل بكل سهولة ويسر إلى كافة أفراد الشعب بدون استثناء وهم في منازلهم، أو في مكاتبهم، أو حتى عندما يعانون من مرض في المستشفيات، أو في سفر خارج البحرين، وهذه الوسائل جميعها متوافرة لدى كل مواطن، فقيراً كان أو غنياً، صغيراً كان أو كبيراً، شاباً أو شيخاً هرماً، متعلماً كان ومثقفاً أم أُمياً جاهلاً، وهي وسائل الاتصال الاجتماعي الجماعي المجانية والتي لا تكلف شيئاً كالتوتر، والانسجام، والفيس بوك، والسناب شات، وغيرها من الوسائل الحديثة الحضارية التي تظهر علينا في كل يوم.

ولذلك علينا من الآن التفكير في البدائل الراقية الجديدة الموجودة حالياً، إضافة إلى البدائل الأخرى التي حتماً ستنكشف لنا في السنوات القادمة، فعلينا أن نتقدم في آلياتنا ووسائلنا الحكومية التنفيذية لا أن نتأخر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق