الجمعة، 9 نوفمبر 2018

عملية مداهمة لمصنع للسجائر الإلكترونية


كثيراً ما نسمع أو نقرأ في وسائل الإعلام عن عمليات المداهمة التي يقوم بها رجال الشرطة، أو رجال الأمن بشكلٍ عام لأوكار المخدرات، أو الدعارة، أو الخلايا الإرهابية، أو المجرمين والقتلة، ولكن لم أسمع قط عن عملية مداهمة تقوم بها إدارات مدنية أو جهات غير أمنية لمصانع ومعامل تُصنِّع مُنتجات مرخص لها رسمياً ومسموح بصناعتها وتسويقها وبيعها على الناس في وضح النهار.

ولكن هذا ما حدث بالفعل في الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتحديد لمصنع لإنتاج السجائر الإلكترونية في مدينة سان فرانسيسكو، حيث قام فريق من المتخصصين والفنيين من إدارة الغذاء والدواء في الثالث من أكتوبر من العام الجاري بعملية مداهمة، والقيام بزيارة مفاجأة دون سابق إنذار لهذه الشركة التي تُنتج نوعاً خاصاً من السجائر الإلكترونية ويُطلق عليه جول(Juul)، والذي هو عبارة عن منتجٍ يدوي صغير جداً يشبه في حجمه وشكله "الفلاش ميموري" أو ذاكرة الكمبيوتر التي نستخدمها الآن لحفظ البيانات والمعلومات، وأثناء هذه العملية قام المختصون بجمع ومصادرة الآلاف من الوثائق والمطبوعات السرية الخاصة بإنتاج وصناعة هذا النوع الجديد والفريد من السجائر الإلكترونية.

وقبل عملية المداهمة هذه، وبالتحديد في 15 سبتمبر حذَّر رئيس إدارة الغذاء والدواء بشدة وأعلن بعبارات لا لبس فيها ولا غموض وواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار بأن "استخدام السجائر الإلكترونية أصبح الآن وباءً بين الشباب والمراهقين"، أي أن استخدامها انتشر بشكلٍ سريع غير متوقع في المجتمع الأمريكي، وأن تعاطيها بلغ نسباً مرتفعة جداً وصلت إلى درجة عالية يمكن أن يُطلق عليها بالوباء. كما أنه في الوقت نفسه هدد هذا المسؤول الحكومي الشركات المنتجة والمصنعة لهذه الآفة الجديدة بضرورة تقديم خطةٍ تنفيذية خلال شهرين لإبعاد الشباب عن ممارسة هذه العادة السيئة صحياً وبيئياً، كما أكد بأنه سيتخذ إجراءات قانونية لمنع النكهات والمذاقات في السجائر الإلكترونية، والتي لها دور مشهود في جذب الشباب وترغيبهم لاستخدام هذه السجائر المهلكة لصحة الشباب والأطفال.

وهذا التحذير تحول إلى تنفيذ وعمل من خلال عملية المداهمة لمصنع إنتاج السجائر الإلكترونية لمعرفة أسرار وخفايا محتويات هذه السجائر، وبالتحديد التعرف على هوية ونوعية الآلاف من المضافات والنكهات والألوان التي توضع في هذه السجائر، ولا يعرف أحد عن خطورتها وتهديداتها لصحة المدخنين والصحة العامة، كما هدفت هذه المداهمة إلى كشف أسرار هذه الشركات المعنية بالوسائل والطرق الشيطانية غير الشرعية التي يستخدمونها في التسويق لهذه السجائر وجذب وتشجيع الشباب والأطفال إلى استخدامها على ناطقٍ واسع غير مسبوق.

وفي هذا السياق أيضاً كشفت مجلة التايمز الأمريكية في 13 أكتوبر من العام الجاري النقاب عن قضية خطيرة جداً تتمثل في قيام بعض منتجي السجائر الإلكترونية في وضع "الفياجرا" في محتويات هذه السجائر بشكلٍ سري غامض، حيث أفاد تحقيق المجلة بأن إدارة الغذاء والدواء اتهمت شركة صينية تُصنع السجائر الإلكترونية وتصدرها وتبيعها في الأسواق الأمريكية، بأنها تضع دواء الفياجرا في هذه السجائر من أجل زيادة مبيعاتها وتشجيع الناس على الإقبال عليها وتعاطيها، وأرسلت إدارة الغذاء والدواء لهذه الشركة رسالة تحذيرية تؤكد فيها تخوفها من وجود هذه المادة.

فهذا الاكتشاف الخطير يثبت حقيقة واقعة نشهدها في حالات كثيرة، فإذا كانت هذه الشركات تضع الفياجرا أو غيرها من المضافات الخطرة للصحة في منتجاتها فما يمنعها أن تُدخل أية مادة أخرى مهما كان ضررها وسميتها في السجائر الإلكترونية أو غيرها من المنتجات ما دامت تُحقق لهم زيادة في المبيعات وتعطيهم الربح الكبير والسريع؟

وقد استفادت الولايات المتحدة الأمريكية من تجربتها هذه مع شركات التبغ العملاقة متعددة الجنسيات ومع السجائر التقليدية المعروفة، وتعلمت واتعظت من خبراتها الطويلة التي امتدت أكثر من قرنٍ من الزمان مع هذه الشركات المارقة التي تتعمد قتل البشر، فأعلنت عليها الحرب منذ الخمسينيات من القرن المنصرم، وربحت هذه الحرب الضروس المؤلمة بعد خوضها الكثير من المعارك الماراثونية المحتدمة والشائكة في المحاكم الأمريكية، ولذلك هذه المرة لا تريد أن تُلدغ مرة ثانية، ولا تريد أن تنخدع مرة أخرى بادعاءات هذه الشركات "البريئة" التي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب الشديد والمعاناة الأليمة للمجتمعات البشرية، فاستبقت الأحداث وأعلنت على لسان مدير إدارة الغذاء والدواء الحرب الاستباقية المبكرة على المنتج الشيطاني الجديد لهذه الشركات نفسها، فالآن إذن بدأت معارك أخرى مطابقة للمعارك الأولى التي دارت بين الإدارة الأمريكية وقوى الشر الشيطانية، وكأن التاريخ يعيد نفسه مجدداً، ولكن الحرب اليوم مع نوعٍ حديث من السجائر، ومع منتج إبداعي جديد يُطلق عليه "السجائر الإلكترونية".

فشركات التبغ التي هي نفسها تصنع السجائر الإلكترونية أعلنت براءتها من السجائر التقليدية الضارة للنفس البشرية بعد أن أقيمت عليها الحجة الدامغة، فهي تدعي الآن بأنها تحمي الصحة العامة وتحافظ على الأمن الصحي للأفراد من خلال السجائر الإلكترونية الأخف ضرراً والأقل سوءاً وتدميراً للصحة من سجائر التبغ، كما أنها تدعي بأن سجائرها الإلكترونية الجديدة تؤدي في نهاية المطاف إلى العزوف عن التدخين كلياً.

فهل تصدقونهم؟ طبعاً لا، فلا يلدغ الإنسان من جُحرٍ مرتين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق