الأحد، 18 نوفمبر 2018

حَقِّي في الهواء النظيف


هل تعلم بأن 93% من أطفالنا وفلذات أكبادنا حول العالم يستنشقون هواءً ملوثاً ويتجرعون مواداً كيميائية سامة وخطرة كل ثانية من حياتهم؟

 

وهل تعلم بأن أكثر من 1.8بليون طفل دون سن الـ 15 عاماً يعانون من أمراضٍ مزمنة نتيجة لتعرضهم كل ساعة للهواء الملوث في داخل المنزل وخارجه؟

 

وهل تعلم بأن قرابة 600 ألف طفل قضوا نحبهم في عام 2017بسبب أمراض الجهاز التنفسي الناجمة عن تلوث وتدهور نوعية الهواء الجوي؟

 

وهل تعلم بأن تلوث الهواء يضر مباشرة بأعضاء جسم الإنسان كالجهاز التنفسي والقلب والكلية وغيرها، وأدى إلى الموت المبكر لقرابة 7 ملايين إنسان يعيش على وجه الأرض في عام 2017؟

 

هذه الحقائق الصاعقة والصادمة جاءت في تقرير المنظمة الدولية الرسمية المعنية بصحة الإنسان على وجه الأرض، وهي منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة والتي نشرت تقريراً مخيفاً في 30 أكتوبر من العام الجاري تحت عنوان: "تلوث الهواء وصحة الطفل" استعداداً لعرضه على المؤتمر الدولي الأول للمنظمة حول "تلوث الهواء والصحة"، والذي عقد في جنيف في الفترة من 30 أكتوبر إلى الأول من نوفمبر من العام الجاري.

 

وهذا التقرير يؤكد بأن تداعيات تلوث الهواء على الصحة العامة تحولت إلى حقيقة لا ريب فيها ولا يمكن أن يشك في واقعيتها أحد، فقد أجمع العلماء في كل أنحاء العالم بأن تلوث الهواء الآن يعتبر من أهم أسباب موت الإنسان وقتله في سنٍ مبكرة، وبخاصة بالنسبة للأطفال صغار السن.

 

فهذه الحقيقة يجب أن تُلزم الدول والحكومات على القضاء على مصادر تلوث الهواء كلياً، أو في الأقل أن تعمل بجدية وإصرار مستمرين على خفض وتقليل حجم ونوعية الملوثات التي تنطلق من مصادر التلوث وتحافظ على نظافة الهواء للمواطنين، فمن "حق" المواطن إذن أن يعيش في بيئةٍ سليمة وصحية، ومن "حق" المواطن أن يستنشق هواءً عليلاً صافياً يعزز من أمنه الصحي، ومن "حق" المواطن أن يشرب ماءً عذباً زلالاً يقيه من الأمراض والأسقام، ومن "حق" المواطن أن تُوفر له الدولة الحياة "البيئية" الكريمة والصحية المتمثلة في الهواء النقي، والماء النظيف، والتربة السليمة، والبحر المعطاء.

 

ولذلك قام المجتمع الدولي منذ عقود بتعريف حقوق الإنسان وواجبات الدول والحكومات تجاه المواطنين، حيث قامت الأمم المتحدة بوضع قوانين خاصة متعلقة بحقوق الإنسان منذ الأربعينيات من القرن المنصرم مثل ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وحدَّدت الواجبات والالتزامات التي تقع على عاتق الحكومات وتهدف إلى حماية وتعزيز الحريّات والحقوق الأساسيّة للأفراد والجماعات، ومنها الحقوق المدنية، والثقافية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية.

 

فحقوق الإنسان، حسب الإعلان العالمي، تشتمل على عدة أمور منها الحق في التعليم، والملكية الخاصة، والراحة والترفيه، وحق الإنسان في مستوى معيشي ملائم، واليوم المستجدات التي طرأت على المجتمع الدولي وعلى حياتنا، وبالتحديد تلك المتعلقة بحماية مكونات البيئة من عشرات الآلاف من الملوثات التي تنبعث من مصادر لا تعد ولا تحصى، وبخاصة تلوث الهواء، تلزمنا إلى توسعة دائرة حقوق الإنسان عامة، أو حقوق المواطن في بلده.

 

فالتلوث بشكلٍ عام، وتلوث الهواء بشكلٍ خاص يؤثر سلباً على كل الحقوق التي وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فتلوث الهواء يضر بالتعليم ويخفض من قدرة الإنسان على التعلم وتلقي المعرفة وتطوير إمكاناته الذهنية، حيث أكدت دراسة دولية نُشرت في المجلة الأمريكية "وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم" في 30 أغسطس من العام الجاري، واستغرق إنجازها أربع سنوات على أن تلوث الهواء له تداعيات مزمنة تهدد القدرات العقلية المعرفية والإدراكية والمهارات اللغوية والرياضية عند الإنسان، وتلوث الهواء، حسب الإجماع الدولي، يؤثر على راحة الإنسان البدنية الجسمية والعقلية والنفسية ومستواه المعيشي من خلال الإصابة بالأمراض الحادة والمزمنة ويؤدي به إلى الموت المبكر.

 

فتلوث الهواء إذن ينعكس على حقوق الإنسان الثابتة والواردة في إعلان الأمم المتحدة، فمن الأولى أن يكون حق الإنسان في الهواء الصحي والنظيف في مقدمة قائمة حقوق الإنسان، وأن يحظى بالأولوية على مستوى المجتمع الدولي وعلى مستوى الدول والحكومات الوطنية فتقوم على توفير الهواء الآمن صحياً للمواطنين حماية وحفاظاً على حقوق الإنسان الأخرى، فالقاعدة الشرعية تؤكد أنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق