الخميس، 22 نوفمبر 2018

هل دخلت المخلفات البلاستيكية في أجسامنا؟


خطورة الملوثات والمخلفات عامة لا تكمن فقط في وجودها في الأوساط البيئية المتعددة كالهواء أو الماء أو التربة، فهي إن بقيت هناك واستمر وجودها في تلك الأوساط البيئية فلن تشكل تهديداً مباشراً كبيراً للأمن الصحي للإنسان ولاستدامة حياته على سطح الأرض، وإنما تكمن خطورة الملوثات في قدرتها على الانتشار والانتقال من هذه الأوساط البيئية إلى السلسلة الغذائية للإنسان، ومنها إلى أعضاء جسم الإنسان، إضافة إلى قدرتها عندما تدخل في أجسامنا على التراكم والاستقرار في هذه الأعضاء وإضعاف قوتها وفاعليتها يوماً بعد يوم، والتأثير التدريجي على وظيفتها ودورها الحيوي في أجسامنا، وفي النهاية إصابتنا بالأمراض المزمنة والمستعصية على العلاج.

ولذلك إذا أردنا أن نُقيِّم خطورة أي ملوث، أو مادة كيميائية، والتهديدات التي يمثلها لصحة الإنسان، فعلينا أولاً وأخيراً أن نتعرف على مدى إمكانية دخولها في أعضاء أجسامنا، ثم دراسة احتمالية تراكمها في هذه الأعضاء وكيفية امتصاص أعضاء الجسم لها وآلية الإضرار بها مع الوقت.

وقد كثر الحديث في السنوات القليلة الماضية عن المخلفات البلاستيكية، وأبدى العلماء قلقهم المشْرُوع وتخوفهم من الازدياد المطرد والملموس لكمياتها وأحجامها في بيئتنا، وبخاصة في المسطحات المائية كالبحار والمحيطات، فمشاهدة المخلفات البلاستيكية بأنواعها المتعددة وأحجامها المختلفة لا تخفى على أحد ولا يمكن تجاهلها.

ففي كل يوم أقرأ عن دراسة علمية ميدانية منشورة تُظهر وجود المخلفات البلاستيكية في أحد الأوساط البيئية، وتكشف عن وجودها في الحياة الفطرية من طيور وحيوانات برية وبحرية.

فعلى سبيل المثال، تم اكتشاف أكثر من 250 قطعة بلاستيك صغيرة الحجم(الميكروبلاستيك) في بطن طائرٍ بحري واحد في 24 سبتمبر من العام الجاري، ويأتي هذا الاكتشاف المذهل من ضمن دراسة ميدانية قامت بها جامعتان يابانيتان هما هوكايدو وطوكيو في الفترة من 2008 إلى 20016 حول وجود المخلفات البلاستيكية في أجسام الطيور المائية التي تعيش في بعض بحار العالم، كما أكدت الدراسة على أن 43% من الطيور التهمت هذه المخلفات التي تطفو فوق سطح الماء، أو تكون عالقة في عمود الماء ظناً منها أنها كائنات فطرية غذائية شهية، وتكمن خطورة هذا الاكتشاف في نقطتين هامتين هما أولاً أن هذه الطيور قد تموت بسبب التهامها للمخلفات البلاستيكية، وثانياً أنها تُطعم صغارها التي تنتظر الغذاء بفارغ الصبر هذه المخلفات البلاستيكية، فتموت نتيجة لذلك وتندثر وينقرض جيل كامل من هذه الطيور.

والمثال الثاني يؤكد غزو هذه المخلفات الميكرو بلاستيكية لأهم عنصر في حياتنا وهو مياه الشرب التي لا يستغني عنها الإنسان كل ساعة من يومه، حيث أفادت الدراسة التي أُجريت في 27 سبتمبر من العام الحالي ونشرتها وزارة البيئية في تايوان على مياه الشرب المنزلية التي تخرج من الصنبور أو الحنفية أنها ملوثة بمواد بلاستيكية مثل البولي إيثلين والنايلون وغيرهما.

ولذلك تواترت الدراسات وأجمعت على وجود المخلفات البلاستيكية في كل الأوساط البيئية، والآن السؤال الخطير والمهم الذي يُثار هو: هل دخلت هذه المخلفات البلاستيكية الموجودة في كل الأوساط البيئية إلى جسم الإنسان؟ وهل وصلت إلى أعضائه المختلفة؟

لقد جاءت الإجابة الشافية عن هذا السؤال في الدراسة التي عُرضت في المؤتمر العالمي حول أمراض الجهاز الهضمي في 22 أكتوبر من العام الجاري في فِينا، حيث قامت بتحليل بُراز الإنسان من ثمان دول هي اليابان وإيطاليا وبريطانيا وفنلندا وهولندا وبولندا وروسيا والنمسا وأثبتت ولأول مرة بأن براز الإنسان يحتوي على المخلفات البلاستيكية المتناهية في الصغر وأن هناك تسعة أنواع من المخلفات البلاستيكية التي تم اكتشافها في مخلفات الإنسان، ففي كل عشرة جرامات من البراز كان هناك 20 قطعة من الميكروبلاستيك التي يتراوح حجمها بين 50 إلى 500 ميكروميتر.

فهذه الدراسة تؤكد لنا فعلاً بأن المخلفات البلاستيكية التي نلقيها في البر والبحر دون أن نُلقي لها بالاً ترجع إلينا مرة ثانية فتؤثر علينا وعلى أمننا الصحي، فهذه الدراسة إذن تثبت لنا جمعياً من دون أدنى شك بأننا نُدخل هذه المخلفات البلاستيكية إلى أجسامنا وبالتحديد إلى الجهاز الهضمي عن طريق الوجبات الغذائية التي نتناولها يومياً، أو من خلال مياه الشرب ودون أن نعلم بوجودها، وتفيد الدراسة بأن المصادر الرئيسة لهذه المخلفات البلاستيكية الدقيقة قد تكون العبوات البلاستيكية الخاصة بمياه الشرب أو منتجات الألبان، أو المواد الغذائية المغلفة بالبلاستيك، أو الأسماك الملوثة بهذه المخلفات.

فهذه الدراسة التي هي الأولى من نوعها وتؤكد على حقيقة دخول المخلفات البلاستيكية إلى أجسامنا ليست هي نهاية المطاف، وإنما هي البداية لمجال بحثي جديد وفريد من نوعه،كما تفتح الباب على مصراعيه للعلماء للإجابة عن أسئلة متعددة منها: كيفية دخول هذه المخلفات البلاستيكية إلى أجسامنا؟ وماذا يحدث لها عندما تدخل في الجسم؟ وما هي الأضرار الصحية التي تنجم عن وجودها في أعضاء أجسامنا؟ وفي أي الأعضاء من جسم الإنسان تستقر وتتراكم؟
والأيام القادمة كفيلة بالإجابة عن هذه التساؤلات، وسأُقدمها لكم في حينها.    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق