الاثنين، 1 يوليو 2019

الـ 5 جي


تذكروا معي جميعاً طوال سنوات حياتكم، كم من هاتفٍ نقال غيرتم حتى الآن واستبدلتموه بهاتفٍ آخر أكثر حداثة، وأصغر حجماً، وأكثر ذكاءً وعطاءً، وأوسع مجالاً وتطبيقاً؟

وكم من الحواسيب أو الكمبيوترات الجديدة قد اشتريتم خلال السنوات الماضية فألقيتُم الأجهزة القديمة الكبيرة والبطيئة والثقيلة في القمامة؟

وكم أعداد وسائط التخزين الخارجية للمعلومات والبيانات قد تحولتْ إلى مخلفات صلبة فلقَتْ مصيرها في حاويات المخلفات المنزلية، سواء أكانت الأقراص المرنة(floppy disc)، أو الأقراص المدمجة(compact disk)، أو الأقراص الصلبة المنخفضة السعة في التخزين؟
وكم آي باد، وكم أجهزة ألعاب الفيدو، وكم أجهزة التشغيل للأفلام وغيرها، وكم أعداد تلفزيونات الأبيض والأسود والتلفزيونات الضخمة والثقيلة قد وَجدتْ طريقها في مواقع دفن المخلفات المنزلية الصلبة؟
وإذا أردتُ أن أُحصي الأجهزة الإلكترونية عامة، والتي تخلصنا منها خلال العقدين الماضيين فلن أتمكن من عدها وحصرها، فهي تُقدر بالنسبة للمجتمع البشري كله بالملايين في كل دول العالم بدون استثناء، فكُلما استُحدثتْ وطورت تقنية جديدة، وكلما دخل إلى السوق جهاز حديث وأنيق ومطور، تسابق البشر إلى أن يحظوا بالسبق والريادة في اقتنائه وشرائه والتفاخر باستخدامه أمام الناس.
واليوم نقف على أبواب تقنية حديثة جديدة ومتفوقة وشديدة التطور بالنسبة للتقانات الأخرى في مجال وسائل الإتصال اللاسلكي، بحيث أن الخبراء يصفونها بالثورة الكبرى في هذا المجال والقفزة السريعة في تطبيقات تقنيات اللاسلكي، مما يعني مرة ثانية بأن سنكون أمام جيلٍ جديد من الأجهزة المتطورة والسريعة ذات التطبيقات الكثيرة، وهذه التقنية ستجعل الكثير من الأجهزة التي نستعملها حالياً لا تتناسب مع القرن الحادي والعشرين، ولا تتواءم مع هذه التقنية الحديثة، بل وتصبح دون جدوى وفائدة، فعلينا إذن من جديد، كما فعلنا من قبل مرات ومرات كثيرة، أن نُعد أنفسنا للتخلص من أجهزتنا البالية والغابرة كأجهزة الهاتف النقال والتصوير وغيرهما، كما علينا من الآن أن نُعد جيوبنا لشراء ما يُطرح أمامنا قريباً في الأسواق من ما لذ وطاب من هذه الأجهزة العصرية التي لا يمكن للكثير أن يستغنوا عنها أو أن يقاوموا إغراءاتها وجاذبيتها.
فتقنية الـ 5 جي(5G) التي نسمع عنها هذه الأيام تؤكد هذه الثورة الجديدة، فهذا الجيل الخامس من شبكة الاتصال اللاسلكي أسرع أكثر من مائة مرة من الجيل الرابع(4 جي)، وتطبيقاتها متعددة وفي كل يوم نسمع عن تطبيق آخر جديد، فمنها سياقة السيارة بدون سائق، وإجراء العمليات الجراحية عن بعد حيث أجرت الصين أول عملية جراحية في المثانة على بعد 200 كيلومتر في 12 يونيو في مقاطعة هوبي(Hubei Province)، كما أن الحكومة اليابانية أعلنت في 14 يونيو من العام الجاري بأنها ستستعمل خدمة الـ 5 جي للإشارات المرورية بدلاً من الـ 4 جي، كذلك صرحت بعض شركات الاتصالات الأوروبية مثل أريكسون ونوكيا بأنها ستستخدم هذه التقنية الصينية.

فهذا التحول الدولي إلى شبكة وخدمة الـجيل الخامس بالرغم من فوائدها الجمة وتطبيقاتها المشهودة الكثيرة، إلا أنها ستمثل في الوقت نفسه عبئاً ثقيلاً يُرهق كاهل المهتمين بالشأن البيئي، وبالتحديد المسؤولين عن إدارة المخلفات الإلكترونية، وستسبب صداعاً مزمناً عصيباً للحكومات من تنفيذيين وسياسيين في كيفية إدارة هذا المد المتنامي والمتعاظم سنة بعد سنة من المخلفات التي تُضاف إلى الجبال الشاهقة الموجودة حالياً في معظم دول العالم منذ عقود طويلة من الزمن.
وقد جاء في تقرير المنظمة المعنية بالمخلفات الإلكترونية في الأمم المتحدة، وهي الاتحاد الدولي للاتصالات والجمعية الدولية للمخلفات الصلبة بأن الكمية الإجمالية بلغت في عام 2018 قرابة 50 مليون طن، في حين أن هذه الكمية في عام 2016 كانت زهاء 44 مليون طن، كما أفاد التقرير الأممي بأن أحجام هذه المخلفات ستتفاقم كل سنة وستصل إلى أكثر من 52 مليون طن بحلول عام 2021.
وفي السنوات السابقة كانت الصين مقبرة جماعية لهذه المخلفات الإلكترونية التي كانت تُنقل إليها من كل دول العالم، وبخاصة الدول الغربية الصناعية الكبرى، حيث إن الصين كانت تستقبل نحو 70% من مخلفات العالم الإلكترونية، أي قرابة 28 مليون طن سنوياً، ولكن الصين الآن وبعد عام 2018 أَوقعتْ دول العالم في مأزقٍ عظيم وأزمة خانقة، وذلك بعد أن اتخذت قراراً استراتيجياً ترفض فيه أن تكون المثوى الأخير للمخلفات الإلكترونية والبلاستيكية لدول العالم.

فهذه الحالة المستجدة أحيت السوق السوداء في التخلص من هذه المخلفات، وشجعت المافيا والعصابات الإجرامية المنظمة في الدخول في مثل هذه الأعمال التي تدُّر عليهم الربح الكبير والسريع، فبدأت تعمل في نقل المخلفات الإلكترونية بطرق غير شرعية وملتوية من ميناءٍ إلى آخر، وكان آخر هذه العمليات التي تم ضبطها لسفينة تحمل في بطنها قرابة 25 طناً من الأجهزة الإلكترونية القديمة والمستعملة في 14 يونيو من العام الجاري، حيث كانت متجهة من هونج كونج إلى الفلبين.

ولذلك كما أننا نفرح ونبتهج بتطوير تقنية جديدة وجهاز حديث يسهل علينا أمور حياتنا، وييسر لنا معاملاتنا اليومية، فإننا في الوقت نفسه يجب أن لا ننسى تهديد هذه الأجهزة للإنسانية بعد أن نتخلص منها.


هناك تعليق واحد:

  1. وماذا عن التحذيرات الصحية التى جعلت بعض الولايات الأمريكية تحظر تقنية 5G

    ردحذف