الاثنين، 22 يوليو 2019

احذروا من برك السباحة العامة


عندما كُنا صغاراً، وعند نزول القيظ الشديد، وارتفاع درجة الحرارة، وازدياد نسبة الرطوبة، كان الملاذ الوحيد لنا ولمعظم سكان البحرين هو العيون العذب الفرات الباردة التي كانت تشتهر بها بلادنا، فكانت تُعيد لنا الأنفاس، وتريح القلب، وتنعش الجسد والروح، وكانت مكان لقاءٍ وتجمع للأهل والأقارب، وعندما كنا في طريقنا متوجهين إلى هذه العيون، وبالتحديد عين عذاري، كنا نُنشد فنقول: إن جاء حرُّ الدار، رُحنا إلى عذاري.

ولكن اليوم انقرضت كلياً هذه العيون في البر والبحر، فلم تبق إلا آثارها البالية ومواقع البعض منها، فهذه الآثار التي تركتها العيون من المفروض أن تُذكرنا بهذه النعمة العظيمة، والثروة الغالية التي لا تقدر بثمن بالنسبة لأهميتها الحيوية للإنسان بشكلٍ مباشر والحيوان والنبات واستدامة التنمية في البلاد، فلا حياة بدونها، فتكون هذه النكبة المائية التي أُصبنا بها ولا يمكن تعويضها طبيعياً عبرة وعظة ودروساً عملية نتعلم منها ونستفيد من تجاربها وخبراتها في أهمية ترشيد استهلاك هذا المورد العظيم، ووضع التشريعات والأنظمة الحازمة للحفاظ عليه وحمايته من أي دنس نوعياً وكمياً. 

ولذلك عندما يأتي الحر، وكثيراً ما يأتي طوال العام، ليس لدينا للتمتع بالماء البارد وممارسة رياضة السباحة إلا برك السباحة العامة والخاصة، حتى البحر لا نستطيع أن نتمتع ونستحم فيه لارتفاع حرارة الماء في أشهر الصيف خاصة، ولعدم وجود سواحل عامة مخصصة للسباحة والترويح عن النفس.

فالحل للكثير من الناس هو التوجه نحو برك السباحة العامة، ولذلك لا بد لي من التنبيه إلى المخاطر الصحية التي تنجم عن سوء إدارة هذه البرك من جهة وعدم التقيد بالأنظمة الصحية المتبعة في برك السباحة العامة من جهةٍ أخرى. وقد لفت انتباهي مقال منشور في الأول من يوليو من العام الجاري في مجلة التايم الأمريكية تحت عنوان: “طُفيليات بُرازية تسبب تفشي بعض الأمراض، وبرك السباحة قد تكون المتهمة"،  مما اضطرني إلى كتابة هذا المقال للتحذير من الاستحمام في هذه البرك العامة غير المنضبطة للأنظمة والقوانين.

فقد جاء في المقال الذي اعتَمدَ على التقرير الأسبوعي الصادر عن مراكز منع والتحكم في المرض والمنشور في 27 يونيو من العام الجاري وشمل على معلومات من أربعين ولاية، بأن هناك انتشاراً واسعاً للمرض الناجم عن الطفيليات البرازية والمعروفة بـ كريبتوسبوريديم(Cryptosporidium)، أو باختصار كريبتو(Crypto  حيث ارتفع المرض خلال العام من 2009 إلى 2017 بنسبة 13% سنوياً، ورُصدتْ 444 حالة تفشي للمرض مرتبطة ببرك السباحة العامة، علماً بأن عدد الحالات المرضية كانت 7465 ودخل 287 من المصابين المستشفيات ومات واحد منهم. فهذا المرض كريبتوسبوريديوسيس (cryptosporidiosis) ينتج عن شرب الإنسان غير المتعمد لماء البركة الملوث بهذا الكائن الطفيلي، فيصاب بعدة أعراض منها الغثيان، والإسهال، والتشنجات، ويبقى أكثر من أسبوع على هذه الحالة، علماً بهذه الجرثومة لها القدرة على البقاء حية لعدة أيام حتى لو تم تعقيم بركة السباحة بالكلور، كما أن عدد بسيط منها يكفي لإصابة الإنسان بالمرض. ويفيد التقرير أيضاً بأن هذا المرض يزيد في أشهر الصيف الحارة، وبالتحديد في شهري يوليو وأغسطس عندما يزيد استخدام الناس لبرك السباحة العامة. 

وعلاوة على التلوث الحيوي الذي يتعرض له مستخدمو برك السباحة العمومية والأمراض الناجمة عنه، فإن هناك في الوقت نفسه التلوث الكيمائي بسبب المواد الكيميائية المستخدمة لتعقيم وتنظيف مياه البركة مثل الكلورين، أو الكلورو أمين، أو ثاني أكسيد الكلورين، إضافة إلى التفاعلات الكيميائية التي تحدث بين مواد التعقيم والملوثات الكيميائية المختلفة الموجودة في البركة مع مخلفات الإنسان السائلة بشكلٍ خاص، سواء أكانت البول، أو العرق والسوائل التي يفرزها جسم الإنسان.

فكل هذا الخليط من الملوثات الكيميائية إذا لم يتم تداركه بشكلٍ فوري، وإدارته بشكلٍ صحي سليم ومستدام فسيسبب أعراضاً مرضية قد تؤدي إلى الذهاب إلى المستشفى للعلاج، منها الربو ومشكلات أخرى في الجهاز التنفسي، والإصابة بالحكة والالتهاب والاحمرار في العينيين، إضافة إلى المشكلات الصحية الحادة التي يتعرض لهه الجلد كالحساسية والاحمرار والالتهاب وغيرها.

فكل هذه الأضرار الصحية والبيئية التي تنتج عن سوء إدارة برك السباحة، سواء أكانت عامة أو خاصة تدعونا إلى أخذ الحذر والحيطة واستعمال البركة بأسلوب صحي وبيئي مستدام، ويمكن في هذا المجال اتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من التلوث الحيوي والكيميائي والأسقام التي تنتج عنهما، كما يلي:
أولاً: الاستحمام قبل ودخول بركة السباحة.
ثانياً: منع المصابين بأي مرض معدي من الاستحمام في البرك العامة خاصة.
ثالثاً: منع المصابين بالإسهال في برك السباحة.
رابعاً: عدم التبول في الماء، وتجنب دخول ماء البركة في الجسم.
خامساً: وضع المواد المعقمة في البركة بكمية علمية صحيحة للمحافظة على الأس الهيدروجيني للماء. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق