الاثنين، 29 يوليو 2019

تحت باب التجارة الحرة سيدخُل إلينا الحشيش



كنتُ ضمن وفد مملكة البحرين الذي شارك في التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة في واشنطن في 14 سبتمبر 2004 والتي صدر فيها قانون رقم (23)لسنة 2005 بالتصديق على اتفاقية التجارة الحرة بين حكومة مملكة البحرين وحكومة الولايات المتحدة الأمريكية، حيث دخلت حيز التنفيذ في 1 أغسطس 2006، وعلى هامش التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة، كانت هناك أيضاً مذكرة تفاهم بين البلدين في مجال البيئة.

واتفاقية التجارة الحرة تؤكد على فتح الأسواق بين البلدين وتسهيل دخول البضائع بمختلف أنواعها وأشكالها، بحيث لن يكون بالسهولة رفض أية سلعة، أو مُنتج مستقبلاً من الولايات المتحدة الأمريكية إلا بوجود مبررٍ قوي، وأدلة دامغة على عدم صلاحية هذا المنتج أو ذاك لبلادنا.

ولذلك قد تكون هذه الاتفاقية مَدخلاً لمنتجات جديدة يُسمح لها في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن قد لا نرى في البحرين تسويقها في بلادنا، وأحد هذه المنتجات المستقبلية القادمة لا محالة هو الحشيش، أو الماريوانا، والمعروف بنبات القنب، وهذا الاستشراف مبني على متابعتي الدقيقة لأكثر من عشر سنوات، ومراقبتي الحثيثة لما يحدث للحشيش من حيث تحريمه أو تحليله في الولايات المتحدة الأمريكية خاصة، ودول العالم أجمع عامة، والتطورات المتلاحقة التي تطرأ على وضعه القانوني في دول العالم.

فهناك عدة مؤشرات أراها أمامي في كل يوم، كما أن هناك وقائع تحدث بشكلٍ متسارع ومتزايد على الأرض في كل دول العالم حول قضية الحشيش من حيث تحولها من شأنٍ قطري في دولة من الدول إلى همٍ دولي يخص كل دول العالم، أي تحول الحشيش من المحلية إلى العالمية.

أما المؤشر الأول والكبير فيأتي من أكبر دولة على وجه الأرض وهي الولايات المتحدة الأمريكية، حيث إن السماح للحشيش للاستخدامات الطبية العلاجية أو الاستخدامات الشخصية الترفيهية يمشي على قدم وساق منذ عام 1973 حتى يومنا هذا. فالخطوة الأولى في قضية تحليل الحشيش تأتي دائماً بعدم تجريم من يمتلك الحشيش لأغراض شخصية وبكميات قليلة، أي تخفيف العقوبة، وكانت ولاية أوريجن هي التي فتحت هذا الباب عام 1973، ثم تتبعها الخطوة الثانية المتمثلة في استخدام الحشيش للأغراض الطبية وعلاج المرضى والتي بدأتها ولاية كاليفورنيا عام 1996، وأخيراً تأتي الخطوة الأخيرة وهي السماح كلياً لاستخدام الحشيش للترفيه والترويح عن النفس، حيث كان السبق في هذا المجال لولاية كولورادوا عام 2012، والمحصلة الإجمالية الأخيرة هي 33 ولاية سمحت للحشيش لأغراض طبية و 11 ولاية للترفيه والترويح عن النفس، حيث كانت ولاية النيوي هي آخر ولاية سمحت للحشيش لأغراض شخصية في 25 يونيو من العام الجاري.

وهذا المد التوسعي لتحليل الحشيش في الولايات المتحدة الأمريكية مستمر ويرتفع كل سنة، فالأرضية السياسية، والتشريعية، والمالية، واللوجستية ممهدة لكي يتم السماح لاستخدام الحشيش على المستوى الفيدرالي، وعندها يمكن لأمريكا تصدير الحشيش إلى كافة دول العالم، والدول التي وقعت اتفاقيات التجارة الحرة ستكون على رأس القائمة.

كذلك بالنسبة لدول العالم الأخرى فهي إما أنها سمحت لاستخدام الحشيش لأغراض طبية، أو شخصية للترفيه عن النفس، وإما أنها تتأهب وتستعد للخوض في هذه التجربة الجديدة. فدولة أورجواي هي أول دولة في العالم سمحت لاستعمال الحشيش لجميع الأغراض، ثم بدأت كندا في مراحل تحليل الحشيش، حيث سمحت لاستعماله لأغراض طبية عام 2001 ثم للترفيه والترويح عن النفس في أكتوبر 2018، والآن كندا هي أرض الحشيش على المستوى الدولي ففيها أكبر شركة عالمية للحشيش إسمها (Canopy Growth Corp.) وقيمتها السوقية نحو 15 بليون دولار وهي موجودة رسمياً في سوق أسهم نيويورك منذ مايو 2018، حيث جاء في تحقيق للمحطة الإخبارية سِي إِن إِن في العشرين من يونيو من العام الجاري عن "حالة سوق الحشيش الشرعي والرسمي" بأن سوق الحشيش على المستوى الدولي ستصل إلى قرابة 44.8 بليون دولار بحلول عام 2024. كما أن أرباح شركة "كانوبي" بلغت 120 مليون دولار في عام 2018، ومن المتوقع أن ترفع هذه السنة لتبلغ 170 مليون دولار، فقد باعت في عام 2018 أكثر من 17500 كيلوجرام من الحشيش الترفيهي والطبي تحت إسم(Spectrum) في 9 دول من دول العالم.

أما في بريطانيا فقد بدأت محلات تجارية دولية لبيع الحشيش بفتح أبوابها من الآن استعداداً لتغير التشريعات المتعلقة بالحشيش والسماح لاستخدامه قريباً، حسب ما ورد في صحيفة الديلي تليجراف البريطانية في 23 يونيو من العام الجاري، فهذه الشركات تشم رائحة فرص تحقيق الأرباح وكسب المال عن بعيد، فتقوم بالعمل اللإستباقي واقتناص الفرصة الذهبية القادمة للاستحواذ بسوق بيع الحشيش.

والصين تنتهز فرصة إقبال شعوب العالم على الحشيش، وبخاصة في قارة أمريكا الشمالية وبعض دول أمريكا الجنوبية مثل أوروجواي وبيرو وأرجنتينا وشيلي وكولومبيا وبور تيريكو وغيرها من دول العالم، حيث جاء في صحفها المحلية في الرابع من مايو من العام الجاري أنها سمحت بزراعة وإنتاج الحشيش للتصدير فقط، فهي بالنسبة لهم تجارة لن تبور وربحها مضمون ومزدهر. وفي السياق نفسه، اقترحت شركة ماكينزي في يوليو 2018 على لبنان القيام بزراعة الحشيش من أجل تعزيز الاقتصاد الوطني وتنمية الدخل القومي وتحشين معيشة الناس، حسب ما ورد في مجلة البلومبرج في السادس من يوليو 2018.

كما أن بعض دول شرق آسيا فتحت الباب قليلاً أمام الحشيش من ناحية أولاً عدم تجريم استحواذ الحشيش ومن ناحية الاستخدام الطبي مثل تايلند، وماليزيا.

فهذا العرض السريع والموجز لحالة الحشيش على المستوى القطري والدولي، يؤكد لي بما لا يدع مجالاً للشك بأن المد الجارف والمتسارع للحشيش قادم إلينا لا محالة، فماذا سيكون موقفنا منه؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق