الثلاثاء، 8 أكتوبر 2019

بيان من جمعية القلب الأمريكية


ظاهرة تفشي تدخين الشيشه في المحلات والمقاهي والفنادق المسموح بها رسمياً وغير المسموح بها لم تعد تخفى على أحد، وقد تحولت من ظاهرة منتشرة في بعض دول العالم إلى حالة اجتماعية وصحية وبيئية انكشفت في معظم دول العالم، ولكن ردود فعل الجهات الصحية في دولنا لا ترقى إلى حجم هذا الوباء العصيب، ولا تلاحق درجة الأضرار الصحية المشهودة والقاتلة التي تنجم عنها، كما إن تحرك المنظمات الأهلية المختصة، والجمعيات المهنية المعنية كجمعيات الأطباء وجمعيات البيئة والجمعيات الاجتماعية لا يواكب ولا يتماشى مع سرعة جريان هذه الآفة في دماء أفراد المجتمع. 

وبالرغم من هذا البرود في الاهتمام، والتباطؤ في اتخاذ إجراءات ملموسة ضد هذا الوباء من قبل الجهات الحكومية الرسمية ومنظمات المجتمع المدني، إلا أن بعض الجمعيات التخصصية، كجمعية القلب الأمريكية وجَدتْ نفسها مُضطرة إلى تبني دور أضعف الإيمان في التعامل مع هذه القضية الدولية، فأصدرتْ بياناً معمقاً ومفصلاً حول كل ما هو متعلق بظاهرة الشيشه على المستوى الدولي، سواء من ناحية عدد المدمنين عليها، أو أسباب الإقبال الشعبي عليها وبخاصة بين فئات الشباب والمراهقين، وأهم الانطباعات الخاطئة والمفاهيم الضالة حول تعاطي الشيشه، إضافة إلى كافة الأبعاد الصحية والبيئية الناجمة عنها.   

وقد نَشرتْ الجمعية بيانها على شكل دراسة شاملة في مجلة الدورة الدموية(CIRCULATION)التابعة لها في الثامن من مارس 2019، تحت عنوان:" تدخين الشيشه ومخاطر أمراض الأوعية القلبية، بيان من جمعية القلب الأمريكية".

وقد خَلصتْ جمعية القلب الأمريكية إلى عدة استنتاجات مهمة حول الإدمان على الشيشه بين شعوب العالم، وهذه الاستنتاجات مبنية ومستخلصة من نتائج آلاف الدراسات العلمية حول الشيشه والتي قامت بحصرها وتحليلها، وهي كما يلي:
أولاً: هناك عدة كلمات تُستخدم لوصف تدخين الشيشه، وتختلف من دولة إلى أخرى، ومن هذه الأسماء النارجيله، أو الهُوكَه، أو الجِدو، أو الأرجِيله، أو أنبوبة الماء، أو المعسل.

ثانياً: هناك الكثير من الأسباب التي أدت إلى سرعة انتشار الشيشه في دول العالم، وبخاصة بين فئة الشباب والمراهقين من الذكور والإناث، وكلها تصُب في المفهوم الخاطئ الذي يحمله هؤلاء الشباب، أو الانطباع غير السليم حول الشيشه. فبعض مدخني الشيشه يعتقدون بأن الشيشه أقل ضرراً من الناحية الصحية من السجائر لأن الملوثات يتم ترشيحها عند المرور في الماء، أو يظنون بأن تدخين الشيشه لا يؤدي إلى الوقوع في مخاطر الإصابة بالإدمان لأنهم لا يدخنون كل ساعة يومياً كما هو الحال بالنسبة للسجائر، وهذه الانطباعات والمفاهيم المضللة تجعل المدخن يستصغر من الشرور الصحية التي تنجم عن تدخين الشيشه ويتهاون في حجم تأثيرها عليه، فيقع سريعاً في فك الإدمان فلا يتمكن بعد ذلك من التخلص منه.

كما أن من أسباب وقوع صغار السن في شباك الشيشه هي النكهات والمذاقات الموجودة في الشيشه والتي لا تُعد ولا تحصى وتُرضى كل الأهواء والرغبات، فهذه الروائح العطرة والمميزة من الفواكه والحلويات التي تنبعث أثناء التدخين تُعد عامل جذبٍ وتشجيع نحو التدخين، أو في الأقل تدعوك هذه الروائح إلى حب الاستطلاع والاستكشاف والتجربة ولو مرة واحدة. فمنها على سبيل المثال، نكهة المانجا والفراولة والتفاح والليمون والموز والنارجيل والكيوي والنعناع والبرتقال والأناناس والبطيخ والورد والقهوة والكولا، كما إن الدراسات أفادت إلى بعض الحالات التي وُضعتْ فيها المخدرات والخمر.

ثالثاً: تكمن أحد المخاطر في الشيشه في أنها تحولت إلى ظاهرة اجتماعية وثقافية منتشرة في الأحياء والمقاهي والفنادق والمطاعم والمآتم والمنازل والمجمعات، فهناك من يظن بأن الشيشه هي جزء من ثقافة الشعب ومتجذرة في عادات وتقاليد الأسرة، وأنهم قد توارثوها أباً عن جد ولا يمكن التخلي عنها، ولذلك فهم يُقدمونها كنوعٍ من أنواع كرم الضيافة في الأفراح والأحزان. كذلك هناك من يشد الرحال ليلاً، وبخاصة في إجازة نهاية الأسبوع وفي الإجازات الأخرى للقاء الأصدقاء والزملاء والعيش في جوٍ اجتماعي جماعي، تحيطه التسلية والمرح وتبادل أطراف الحديث، وبعيداً عن ضغط العمل وهموم الحياة، فيُضيع الساعات الطوال من وقته الثمين وحتى بزوغ الفجر وهو يُلقي بالسموم في جسمه وفي جسم من يجلسون معه من غير المدخنين.

رابعاً: وسائل الاتصال الاجتماعي الجماعي تحولت إلى أداة مشاعة لا رقابة عليها ولا محاسبة على ما ينشر فيها، فيستخدمها البعض للترويج عن محلات جلسات الشيشه بشتى أنواع الأساليب الشيطانية الماكرة من ترغيب وتشويق وإثارة، وبالتحديد على شبكات الفيسبوك والتويتر والإنستجرام، فهي جميعها تحولت إلى مواقع خصبة لصيد الفرائس السهلة الجديدة، وإيقاعها في شباك الشيشه المدمنة.
خامساً: هناك إجماع من قبل الباحثين والأطباء على إفساد الشيشه لصحة الإنسان والأمن البيئي، وأن بعض الملوثات التي تنبعث عن تدخين الشيشه أعلى من السجائر التقليدية المعروفة. فهناك أولاً التأثيرات الحادة والمباشرة التي تظهر فوراً بعد تدخين الشيشه، منها التغيرات في الأوعية الدموية القلبية والتي تنعكس على زيادة دقات القلب بنحو 6 إلى 13 دقة في الدقيقة، ومنها ارتفاع ضغط الدم من 3 إلى 16 مليمتراً من الزئبق، ومنها نقص في وصول الأكسجين إلى خلايا الجسم وإصابة البعض بالتسمم والاختناق. أما عن التأثيرات الصحية طويلة الأمد فهي لا تختلف عن السجائر العادية فتؤدي إلى أمراض القلب والجهاز التنفسي والإصابة بالسرطان والموت المبكر. 

أما عن الملوثات التي تنبعث من الشيشه إلى الهواء الجوي فهي بالنسبة لبعض الملوثات أعلى من السجائر، وبشكلٍ عام فإن الملوثات التي تنبعث من الشيشه هي على سبيل المثال، الجسيمات الدقيقة أو الدخان، أول أكسيد الكربون، النيكوتين، الدخان، ومجموعة المركبات العضوية المتطايرة كالبنزين والفورمالدهيد، والمركبات العضوية الأروماتيكية متعددة الحلقات، والعناصر الثقيلة السامة كالزرنيخ والرصاص والكادميوم والنيكل والكوبالت والكروميوم.

 هناك جانب أخير ربما سقط سهواً من بيان جمعية أطباء القلب الأمريكية وهو متعلق بالتلوث الحيوي المرتبط بتدخين الشيشه، أي المتعلق بالإصابة بالأمراض المعدية. وهذا الجانب نَبهتْ إليه المجلة العالمية للسل وأمراض الرئة في الدراسة المنشورة في الأول من مايو 2018 تحت عنوان: “تقييم التلوث البكتيري في الشيشه". فهذه الدراسة أخذت عينات من عشرة مقاهي للشيشه وبالتحديد من فتحة أنبوبة التدخين، حيث أفادت التحاليل باكتشاف بعض أنواع البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية في هذه العينات وأنواع أخرى من البكتيريا المسببة للأمراض، مما يستدعي في الأقل الرقابة الصحية الصارمة على كل محلات تقديم الشيشه حتى نتجنب تحول هذه الأماكن لوكر للأمراض المعدية.  

وختاماً أتمنى من جميع الجهات المعنية بصحة الناس، سواء أكانت حكومية أم غير حكومية، أن تهتم ببيان جمعية القلب الأمريكية وتعمل على الاستفادة منه والعمل على منع هذه الظاهرة المرضية كلياً من مجتمعنا، أو في الأقل الحد من المحلات التي تبيع الشيشه، والرقابة الدائمة على ممارساتها اليومية.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق