الثلاثاء، 29 أكتوبر 2019

أيهما أقل ضرراً الأكياس البلاستيكية أم الورقية؟


إذا طرحتُ هذا السؤال على أي إنسان: أيهما أقل ضرراً على البيئة والإنسان، الأكياس البلاستيكية أم الورقية؟ فسيكون الجواب فورياً وتلقائياً بأن الأكياس البلاستيكية أشد وطأة وأكثر تنكيلاً بصحة الإنسان وبيئته.

ولكن هل هذه الإجابة لها ما تُسندها من الأدلة العلمية، والدراسات الميدانية الموثوقة، والأبحاث المتخصصة المتعلقة بالفرق بين الأكياس البلاستيكية والأكياس الورقية؟

فالإجابة التي تأتي من عامة الناس حول الأكياس البلاستيكية تكون عادة سطحية ومبنية أساساً على السُمعة السيئة التي اكتسبتها الأكياس البلاستيكية بشكلٍ خاص، والمخلفات البلاستيكية بشكلٍ عام طوال السنوات الماضية، فقد تلطخت البيئة كلها أينما كانت بالمخلفات البلاستيكية، وأعضاء جسم الإنسان تلوثت بهذه المخلفات البلاستيكية الدقيقة التي بعضها لا يرى بالعين المجردة.

فقد أكدت آلاف الدراسات المنشورة على أن مخلفاتنا البلاستيكية التي نُطلقها بأيدينا إلى بيئتنا تأخذ عدة مسارات، منها أنها أولاً تتفتت وتتكسر وتتجزأ يوماً بعد يوم وبفعل الظروف المناخية إلى جسيمات وقطع متناهية في الصغر قد لا تُرى بالعين المجردة لصغر حجمها، فتنتقل إلى الهواء الجوي، ومنها تحملها الرياح على ظهرها إلى أن تحط عن طريق الترسب، سواء الترسب الجاف أو الرطب المتمثل في الأمطار والثلوج، حيث تقوم الأمطار والثلوج بامتصاص هذه الجسيمات البلاستيكية الدقيقة فتنزل على كل شبرٍ صغير من سطح الأرض مهما كان بعيداً ونائياً، ومنها القطب الشمالي وأعماق المحيطات المظلمة وفي البراري الموحشة، وبعد نزولها إلى هذه البيئات، تنتقل مع الوقت إلى الأوساط المختلفة فتصبح جزءاً من السلسلة الغذائية في البر أو البحر، حتى تصل إلى كل الكائنات الحية التي تعيش في تلك المناطق، وعلى رأسها الإنسان.
فهذه هي "دورة حياة المخلفات البلاستيكية"، ومنها الأكياس البلاستيكية التي لا تتحلل طبيعياً بفعل الكائنات الدقيقة إلى ثاني أكسيد الكربون والماء، أي أنها لا تنتهي، فهي تبقى جاثمة في بيئتنا كمخلفات بلاستيكية، حتى ولو تحولت إلى جسيمات دقيقة لا نراها بعيوننا، ولا يمكن تتبع آثارها ومعرفة وجودها بيننا بحواسنا الضعيفة والبسيطة والمحدودة. وآخر دراسة تؤكد دورة حياة المخلفات البلاستيكية وانتقالها عبر الرياح ثم ترسبها على كل دول العالم القريبة والبعيدة، وكل البيئات مهما كانت نائية وخالية من النشاط البشري هي الدراسة المنشورة في 13 أغسطس من العام الجاري في المجلة الأمريكية علوم وتقنية البيئة.


إذن فأضرار الأكياس البلاستيكية معروفة ومشهودة، ولكن هي بالفعل أفضل من الأكياس الورقية وأقل ضرراً على أمننا الصحي وسلامة بيئتنا ومواردها الحية وغير الحية، كما يعتقد ويتصور الكثير من الناس؟

للإجابة عن هذا السؤال بأسلوبٍ علمي موضوعي، يجب علينا استخدام الأدوات العلمية المعتمدة والمناسبة في مثل هذه الحالات، ومنها أداة يُطلق عليها "تقييم دورة الحياة للمنتج"، وقد استخدمتُ هذه الأداة العلمية عندما أشرفتُ على أحد طلبة الماجستير في جامعة الخليج العربي. وتتلخص هذه الأداة في تقييم ودراسة الأثر والضرر البيئي للمنتج في جميع أطوار حياته، بدءاً بالمادة الخام المستعملة في إنتاجه، ثم تصنيعه، ثم تغليفه، ثم نقله، ثم استخدامه، ثم التخلص النهائي منه.

وبعبارةٍ أخرى بسيطة هي دراسة الأضرار البيئية التي تنجم عن المنتج، سواء أكان الأكياس البلاستيكية أو الأكياس الورقية منذ أول يومٍ من ولادته إلى آخر يوم في حياته ووصوله إلى مثواه الأخير، أي من المهد إلى اللحد. والهدف من تطوير هذه الأداة العلمية هي الموضوعية والنظرة الشمولية عند اتخاذ القرار، فربما يكون هناك منتج غير ضارٍ للبيئة في مرحلة الاستعمال، ولكنه يولِّد ملوثات كثيرة غازية وسائلة وصلبة في مرحلة التصنيع والإنتاج، أو يستهلك في هذه المرحلة كميات كبيرة من المياه والطاقة، أو أن هذا المنتج يسبب مشكلة فقط في المرحلة النهائية من حياته وهي التخلص البيئي والصحي السليمين له، ولكن في المراحل الأخرى السابقة من حياته فهو لا يسبب أية مشكلات بيئية كثيرة. ولذلك فهذه الأداة الشاملة تقيم وتحدد جميع السلبيات البيئية الناجمة عن أي منتج في كافة مراحل حياته، أي التأثيرات البيئية الكلية والإجمالية، إضافة إلى حجم المياه والطاقة الذي يحتاج إليه المنتج في كل مرحلة من حياته.

فإذا طبقنا هذه الأداة على الأكياس البلاستيكية والورقية لوجدنا الفروقات التالية:
أولاً: الأكياس البلاستيكية يتم إنتاجها من البترول أو الغاز الطبيعي، وكلاهما من مصادر الطاقة الناضبة غير المتجددة والتي لها دور في تلويث الهواء الجوي وإحداث ظاهرة التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض، حيث يتم أولاً استخلاص غاز الإيثان من البترول أو الغاز الطبيعي، فيحول إلى غاز الإيثيلين، ثم إلى البولي إيثيلين، وأخيراً تتم صناعة الأكياس البلاستيكية بعدة مراحل من الولي إيثيلين، وكل هذه المراحل من تصنيع الأكياس البلاستيكية تستهلك كميات كبيرة من الطاقة وتسهم في تلويث الهواء الجوي.

أما الأكياس الورقية فهي إما أنها تُدور من المخلفات الورقية، أو أنها تصنع من الأشجار، وتتم عملية التصنيع بعدة مراحل تسبب قطع الأشجار من الغابات التي يستفاد منها في مكافحة التغير المناخي وتعزيز التنوع الحيوي، كما إنها تستهلك كبيرة من المياه المكلفة، وتنتج عن هذه العمليات انبعاثات إلى الهواء الجوي ومخلفات سائلة شديدة التلوث يجب معالجتها قبل التخلص النهائي منها.
ثانياً: الأكياس البلاستيكية العادية عندما تنقل إلى مواقع الدفن، تستغرق وقتاً طويلاً لكي تتفتت وتتحول إلى أجزاء وجسيمات صغيرة جداً، ولكنها لا تأخذ مساحة كبيرة في مواقع الدفن، كما أن وزنها خفيف فتقلل من الوزن الإجمالي للمخلفات، في حين أن الأكياس الورقية تتحلل ولكن ينتج عنه غاز ثاني أكسيد الكربون المتهم الرئيس في رفع درجة حرارة الأرض، كما أنها في الوقت نفسه أثقل وزناً فترفع من وزن المخلفات وتحتاج إلى مساحات أكبر للدفن لكبر حجمها.

ولذلك بعد هذا التقييم السريع والمبسط للبعد البيئي لمراحل إنتاج الأكياس البلاستيكية والورقية، فأيهما أقل ضرراً على البيئة؟ وأترك الإجابة لك.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق