الثلاثاء، 15 أكتوبر 2019

مُخلفات الجِمال تُشغل المصانع في الإمارات



يقول المثل الصيني بأن المخلفات هي أشياء لا نعرف كيف نستخدمها، وهذا المثل صحيح إلى درجة كبيرة، والواقع يؤكد ذلك، وهناك أمثلة لا تُعد ولا تحصى على ملايين الأطنان من المخلفات التي كانت جاثمة على مواقع المصانع، أو متراكمة بأحجام مهولة في المدن، فتحولت بعد إبداع عقل الإنسان وعلمه وخبرته لحلول عملية تنفيذية ومستدامة إلى مواد خام تقوم عليها الصناعات، وتشغل الآلاف من العاطلين، وتحقق أرباحاً عظيمة للمستثمرين.

ومن الأمثلة التي يمكن ضربها لإثبات واقعية هذه الرؤية هي ما وقع في بلد الجوار، وبالتحديد في إمارة رأس الخيمة بدولة الإمارات العربية المتحدة. ففي الإمارات، كما هو الحال في دول الخليج، عشرات الآلاف من الجمال التي تنتج عنها أطنان كبيرة من المخلفات صلبة النتنة التي تتراكم في مواقع وجود هذه الحيوانات وتسبب في حالة عدم التعامل معها بطريقة صحية وبيئية سليمة مشكلات وأوبئة نحن في غنى عنها وعن مردوداتها على الأمن الصحي والبيئي في بلادنا.

وفي الحقيقة هناك عدة طرق وتقنيات تستخدم في الكثير من الدول منذ قرون طويلة للتخلص من هذه المخلفات الصلبة، أو ما يُعرف بروث الحيوانات بشكلٍ عام، وفي أكثر الحالات يتم تجفيفها باستخدام تقنيات حرارية تتخلص من الماء الموجود فيها، أو وضعها في مسطحات تحت أشعة الشمس لتبخير الماء، ثم تستخدم هذه المخلفات الصلبة الجافة كمصدر للطاقة، أو للوقود في الطهي، أو غيره في المنازل والمزارع التقليدية البعيدة عن المدن الحضرية، أو تستخدم، كما هو الحال في البحرين، كمواد طبيعية مخصبة للتربة في المزارع والحقول والحدائق.

ولكن في الإمارات ولأول مرة يتم تدوير مخلفات الجمال الصلبة في مصنع للأسمنت في رأس الخيمة واستخدامها مع وقود الفحم لتشغيل الأفران الحرارية. وهذه العملية تجري بطريقة سلسة بالتعاون مع كافة المزارع العامة والخاصة التي تربي الجمال، حيث يقومون بجمع مخلفات الجمال ونقلها إلى موقع خاص في المصنع، وهناك يتم خلطه بالفحم كوقود لتشغيل الغلايات في أفران مصنع الأسمنت والتي تبلغ درجة الحرارة فيها نحو 1400 درجة مئوية. وقد أفادت التجارب الأولية التي أجريت لإثبات جدوى وفاعلية هذه العملية بأن كل طنين من مخلفات الجمال تعمل كعمل طن من الفحم، أي طنين من المخلفات تحل محل طن من الفحم.

وهذا الأسلوب في تدوير المخلفات له فوائد كثيرة ومردودات خيِّرة تنعكس علينا صحياً وبيئياً وعلى المجتمع بشكلٍ عام. فأولاً قد تخلص الإنسان من مخلفات صلبة بطريقة مستدامة كانت في السابق تتراكم في مواقع مختلفة، أو أنها كانت تُنقل إلى مواقع الدفن دون أية فائدة تذكر، والثانية أن الإنسان خفَّض من استخدام نوعٍ من أنواع الوقود الأحفوري وهو الفحم الذي يُعد الأكثر وطأة والأشد تنكيلاً بصحة البيئة وأمن الإنسان. والثالثة أن الإنسان قدم نموذجاً عملياً راقياً لكيفية الاستفادة من المواد التي نُطلق عليها "مخلفات".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق