الجمعة، 25 أكتوبر 2019

المخالفات البيئية لعمليات الحفر في تقرير الرقابة المالية والإدارية


لم أستغربْ، ولم أصاب بالدهشة، ولم أتفاجأ كلياً من تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية حول التجاوزات الظالمة بحق بيئتنا، والمخالفات الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار التي ارتكبت لأكثر من ثمانين عاماً، ومازالت تُرتكب، حول عمليات حفر البحر واستخراج الرمال، فكل ما جاء في التقري ليس بالجديد علي شخصياً، ولا بالاكتشاف الحديث.

فقد نشرتُ أول بحثٍ لي في عام 1986 حول هذه التجاوزات والتداعيات السلبية التي هددتْ الحياة الفطرية البحرية نتيجة لأعمال الحفر العشوائية وباستخدام كافة الوسائل والطرق وبدون أي اعتبار للبيئة البحرية برمتها والكائنات الحية التي تعيش فيها، ونعتمد عليها في تحقيق الأمن الغذائي الفطري القومي، وبعد هذا البحث نشرتُ عدة دراسات، وكتبتُ الكثير من المقالات في الصحف المحلية لأُقدم بشكلٍ واضح كل هذه التعديات على حرمات البيئة البحرية جراء عمليات الحفر من جهة، ودفن البحر من جهةٍ أخرى، وكان آخر مقالين كتبتهما هما الأول في الخامس من سبتمبر حول توجيهات الحكومة المتعلقة بعمليات الحفر البحري، والثاني في السابع من سبتمبر حول دور لجنة الثروات الطبيعية في الحفاظ على ثرواتنا الطبيعية.

وبالرغم من ذلك، فإنني أُقدم الشكر والتقدير لديوان الرقابة المالية والإدارية على الاهتمام بهذه القضية الحيوية التي تمس حياة كل مواطن على هذه الأرض الطيبة، كما أشكر الديوان على ضم هذه القضية البيئية والتجاوزات الجائرة على وقعت على بيئتنا البحرية والكائنات الحية فيها خلال أكثر من ثمانية عقود ضمن التقرير للفترة 2018 إلى 2019، مما يُشكل في تقديري قفزة نوعية في التقارير الدورية للديوان.

وقد وردتْ التعديات على البيئة البحرية من جراء عمليات استخراج الرمل في موقعين، الأول تحت عنوان "استخراج الرمال البحرية"، والثاني عنوانه "المجلس الأعلى للبيئة". أما الأول فقد جاءت البنود المتعلقة بالمخالفة والتجاوزات كما يلي:
أولاً: تجديد التراخيص السنوية لكافة شركات استخراج الرمال البحرية البالغ عددها 12 شركة خلال الفترة من مايو حتى أكتوبر 2018، دون الحصول على موافقة الجهات الحكومية المعنية المشار إليها في الفقرة السابقة، مما يخالف أحكام المادة رقم (8) من اللائحة التنفيذية لقانون استخراج الرمال البحرية وبيعها.
ثانياً: وجود بعض أوجه القصور في تحديد الاشتراطات الخاصة باستخراج الرمال البحرية في التراخيص الممنوحة لشركات استخراج الرمل، كما يتبين من التالي: عدم استناد الوزارة إلى مرجعية وأسس واضحة في تحديد كمية الرمال البحرية المسموح باستخراجها بكل ترخيص تُصدره، حيث يتم تحديدها بالكميات التي تطلبها الشركات دون توفر بيانات لدى الوزارة حول الكميات الموجودة في مواقع الاستخراج وأخذها في الاعتبار عند إصدار التراخيص، مما قد يؤدي إلى استنزاف الرمال والإضرار بالبيئة البحرية في تلك المواقع.
ثالثاً: عدم قيام الوزارة بتضمين تراخيص استخراج الرمال البحرية ببعض الاشتراطات الهامة المنصوص عليها في المادة رقم (9) من اللائحة.

وأما العنوان الثاني للتجاوزات فقد كان حول المجلس الأعلى للبيئة، وجاء فيه الآتي:
أولاً: مَنحَ موافقات لبعض طلبات الترخيص البيئي لمشاريع استخراج الرمال البحرية لأغراض الدفان دون الاستناد إلى دراسات بيئية شاملة معدة من قبل أحد المكاتب الاستشارية المعتمدة من قبل المجلس، مما يخالف متطلبات المادة (4) من القرار الوزاري رقم (1) لسنة 1998 بشأن التقويم البيئي للمشروعات، ويحول دون التمكن من تقييم الآثار البيئية التي قد تترتب على تلك المشاريع
ثانياً: عدم قيام إدارة التقويم والرقابة البيئية خلال الفترة من يناير 2015 حتى نوفمبر 2018 بمراجعة أي دراسات الأثر البيئي التي قدَّمها أصحاب طلبات بعض مشاريع استخراج الرمال البحرية لأغراض الدفان، الأمر الذي لا يمكن من التأكد من صحة وشمولية تلك الدراسات في تقييم الآثار البيئية المتوقعة لمشاريع استخراج الرمال، ومدى كفاية الإجراءات التي أوصتْ بها للتخفيف من تلك الآثار، وقد يؤدي ذلك إلى الموافقة على مشاريع قد تتسبب في احداث أضرار بيئية.
ثالثاً: وجود بعض أوجه الضعف في الاشراف على عمليات استخراج الرمال البحرية لمشاريع الدفان.
رابعاً: عدم وجود آلية وإجراءات واضحة لدى إدارة التقويم والرقابة البيئية تُنظم عملية مراجعة التقارير المقدمة من قبل المكاتب الاستشارية حول سير عمليات استخراج الرمال.
خامساً: عدم وجود خطط وبرامج لدى إدارة التقويم والرقابة البيئية تنظم أعمال التفتيش على مواقع استخراج الرمال البحرية.
سادساً: عدم الاستناد إلى أية دراسات مرجعية في تحديد الحد الأقصى المقبول به لتجاوز معدل المواد الصلبة العالقة في الماء بمواقع استخراج الرمال للمعدل الطبيعي لكل موقع.

ويمكنني من هذا التقرير المتعلق بالتجاوزات حول عمليات استخراج الرمل البحري الوصول إلى الاستنتاجات التالية:
أولاً: عمليات الحفر منذ البدء فيها وحتى يومنا هذا لا تسير بطريقة علمية مُقننة تضبُطها التشريعات والأنظمة المتعلقة بها، فهناك قصور في جانبين، الأول عدم شمولية القوانين والأنظمة لكافة الجوانب المتعلقة بعملية الحفر، وبخاصة الجوانب البيئية، والثاني فإن هناك قصوراً واضحاً في عدم تفعيل الأنظمة البسيطة الموجودة حالياً، وبخاصة من ناحية الإشراف والتفتيش الميداني المستمر طوال عملية الحفر.
ثانياً: دراسات الجدوى البيئية لعمليات الحفر والدفان التي أُجريت لبعض المشاريع لم تؤخذ في الاعتبار عند التنفيذ، فهي أُجريت بمثابة "تحليل الحرام"، أو "إبراء الذمة" بأن هناك دراسات جدوى بيئية للمشاريع.
ثالثاً: الضرر الذي وقع للبيئات البحرية والثروة السمكية لا يمكن إصلاحه، فالرمال البحرين في شرق البحرين نضبت كلياً، وبعض البيئات البحرية فسدت وتدمرت، والثروة السمكية تدهورت لدرجة يشهدها الجميع.
رابعاً: وقع هدر كبير واستنزاف شديد لثروة وطنية اقتصادية خلال العقود الماضية متمثلة في الرمال البحرية.

وختاماً أدعو ديوان الرقابة المالية والإدارية إلى ضم وإدخال كافة التجاوزات البيئية في التقارير القادمة، منها على سبيل المثال فقط، تجاوزات المصانع ومحطات توليد الكهرباء التابعة للحكومة من ناحية ارتفاع نسبة الملوثات التي تنبعث عنها، إضافة إلى المخالفات البيئية للسيارات من ناحية درجة انبعاث الملوثات منها. 

هناك تعليق واحد:

  1. استاذي شكرا لطرحك ، في الواقع ان هذه التجاوزات سيمتد اثرها علينا كمواطنين ان لم تتخذ الاجراءات اللازمة للحد منها .. اتمنى ان لا ينتهي بنا الحال كما في هذا المثل "لقد أسمعت لو ناديت حيـًا ولكن لا حياة لمـن تنادي"

    نتمى أن نرى بلد المليون نخلة أجمل كما كان في السابق.

    ردحذف