الأربعاء، 22 يوليو 2020

لُقاح أُكسفورد، هل سيكون اللقاح الموعود؟


اتجهتْ أنظار العالم من رجال العلم والسياسة والاقتصاد والإعلام بشوقٍ وترقب وأمل شديد نحو الخبر المنشور في العشرين من يوليو حول ظهور نتائج إيجابية مبشرة بالخير ومشجعة، وتدعو إلى التفاؤل لاكتشاف اللقاح الموعود الذي تقوم بتطويره جامعة أكسفورد بالتعاون مع مؤسسات وشركات علمية حول العالم من أجل القضاء على هذا الوباء الفيروسي العقيم، وإيقاف زحفه المستمر منذ أكثر من ثمانية أشهر، وغزوه لكل دول العالم بدون استثناء.

فهذا الخبر السعيد الذي ينتظره كل سكان الأرض، من صغيرٍ وكبير، وفقير وغني، وجاهل وعالم، والذي طارتْ به وسائل الإعلام حول الأرض، قد نَشرهُ العلماء من معهد جينر ومجموعة أكسفورد لتطوير اللقاح التابعين لجامعة أكسفورد البريطانية بالتعاون مع الشركة البريطانية السويسرية لإنتاج العقاقير الحيوية(AstraZeneca)، وبدعمٍ سخي من الحكومتين البريطانية والأمريكية في العشرين من يوليو من العام الجاري في مجلة اللانست الطبية المرموقة، حيث أكد الباحثون على حصولهم على نتائج أولية مفرحة ومولدة للأمل حول تطوير اللقاح الذي يكبح جماح هذا الوباء التنفسي الشديد والحاد المعروف بكوفيد_19(SARS-CoV-2)، والذي نزل حتى الآن في جسم أكثر من 14 مليون إنسان، وقضى على نحو 600 منهم.

وانطلقتْ استبشارات العلماء الذين أجروا هذه الدراسة الميدانية السريرية في الفترة من 23 أبريل من العام الجاري حتى 21 مايو وبمشاركة 1077 متطوعاً يتمتعون بصحة جيدة وتتراوح أعمارهم بين 18 و 55 من عدة نتائج رئيسة، كما يلي: الأول: تم تطوير اللقاح عن طريق استخلاص الفيروس، أو البروتين الذي يسبب عدوى مرض الإنفلونزا في الشمبانزي، وتمت إضافة بروتين مستخلص من فيروس كورونا، ثم عُدِّل جينياً لكي يكون ضعيفاً وغير ضار بالإنسان ولا يسبب له الأمراض المعدية، وأُطلق على هذا الخليط من الفيروسات (adenovirus)، وأما اللقاح نفسه فاسمه العلمي(ChAdOx1 nCoV-19)، ويُعرف الآن بـ AZD1222.

فعند حقن المتطوعين بهذا اللقاح تبين بأنه آمن وسليم للإنسان ولا تنتج عنه آثار جانبية خطرة على الصحة، فالآثار التي ظهرت على المتطوعين عادية وتظهر عند الحقن بأي لقاح مثل ارتفاع الحرارة، والصداع، وآلام في العضلات، والشعور بالتعب، وهي في مجملها تُعد أعراض بسيطة غير مؤثرة على الصحة ويمكن علاجها بدواء البَنَدُول المعروف.
ثانياً: اللقاح حفَّز جهاز المناعة، وولد تجاوباً سريعاً ضد الفيروس من خلايا آليتين موجودتين في جسم الإنسان. فالأولى هي خلايا "تي"(T) التي هي من أنواع خلايا الدم الأبيض التي تهاجم موقع العدوى وتدمر المعتدي والغازي، سواء أكان الغازي فيروساً أو بكتيريا أو طفيليات أو أي جسم أجنبي غريب، والثانية هي بروتينات مُضادات الأجسام التي يُكونها جهاز المناعة فتقضي على الفيروسات والكائنات المرضية، فتهجم عليها وتمنعها من إصابة الخلايا الأخرى بالعدوى. ولذلك فاستجابة جهاز المناعة للقاح من خلال خلايا الدم البيضاء والأجسام المضادة تعني بأن جهاز المناعة قد نجح في التعرف على فيروس كورونا وبدأ في مقاومته والتصدي له، كما أن هذا يعني بأن جهاز المناعة سيتذكر في المستقبل هذا الفيروس الشرس إذا تعرض له.

وجدير بالذكر بأن هذا البرنامج الخاص بجامعة أكسفورد لتطوير اللقاح يتكون من ثلاث مراحل رئيسة. أما المرحلتين الأولى والثانية التي شهدنا نتائجها اليوم فقد هدفتا إلى حقن عددٍ محدود من المتطوعين لهذا اللقاح الجديد والتعرف على مدى سلامته على الإنسان من حيث الآثار والأضرار الصحية الجانبية التي قد تصاحب حقن البشر للقاح، ثم توسيع دائرة التجربة على متطوعين أكثر، ومراقبة ومتابعة ردة فعل جهاز المناعة ضد هذا الفيروس العقيم. وأما المرحلة الثالثة القادمة قريباً فهي حقن فئات مختلفة من الناس لهذا اللقاح في عدة دول في العالم وزيادة أعداد المتطوعين، مع التركيز على كبار السن والأطفال، ففي بريطانيا سيصل العدد إلى 10 آلاف في بريطانيا، وفي الولايات المتحدة الأمريكية 30 ألف، ثم سيُستخدم اللقاح تجريبياً في دول فقيرة ومتوسطة الدخل مثل البرازيل ودولة جنوب أفريقيا والهند. وتهدف هذه المرحلة الأخيرة إلى إثبات أن اللقاح يحمي الإنسان من الإصابة بالعدوى من الفيروس وتقييم مدى فاعليته في منع المرض وإيقاف تفشيه بين البشر، إضافة إلى التعرف على الفترة الزمنية التي تستمر فيها هذه الحماية.

فتطوير جامعة أكسفورد للقاح المقاوم لفيروس كورونا يأتي في سياق السباق الماراثوني السريع والطويل لإنتاج هذا اللقاح الشافي والذي شارك فيه كل العالم منذ شهر فبراير من العام الجاري عندما أُطلقت صفارة البدء في السباق. ومع اتضاح الصورة يوماً بعد يوم لخطورة هذا الفيروس، وبعد أن انكشفت الحقائق الميدانية المرعبة عن تهديد هذا الفيروس للمجتمع البشري في كافة دول العالم بدون استثناء، الفقير منها والغني، المتقدم منها والمتأخر، ارتفع أعداد المشاركين في هذا السباق الدولي.

فقد بدأ السباق بمئات المتنافسين، ولكن بعد مرور الدقائق الأولى من السباق تبين أنه شاق ومعقد ويحتاج إلى نفس طويل وعميق ولياقة بدنية عالية، مما أدى إلى انسحاب بعض المتسابقين، فلم يتبق الآن إلا 24 متسابقاً فقط، ولا ندري من منهم سيقطع خيط نهاية السباق. فمن بين المتنافسين ضد جامعة أكسفورد، الشركة الصينية كانسينو بيولوجيكس(CanSino Biologics)التي قطعت نصف السباق، وانتهت من المرحلتين بعد أن أجرت التجارب السريرية على 500 متطوع من مدينة ووهان مسقط رأس الفيروس، وحصلت على نتائج تشابه نتائج تجارب جامعة أكسفورد، حيث أعطت الحكومة الصينية ترخيصاً طارئاً للشركة لاستخدام اللقاح في الجيش الصيني. كذلك من الذين صمدوا حتى الآن في السباق شركة فيزر الأمريكية(Pfizer)، وشركة بيونتك الألمانية(BioNTech).

وفي تقديري فإن برنامج جامعة أكسفورد سيحظى في نهاية المطاف بالفوز في السباق لعدة أسباب، منها أنها تسير بخطى ثابتة وسريعة وقوية، ونتائجها تبشر بالنجاح والوصول قبل الآخرين إلى خط النهاية، إضافة أنها تحصل على دعمٍ مالي كبير ومستدام من عدة جهات منها حكومة بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، ولذلك إذا استمرت الجامعة بنفس الخطوات المتسارعة طوال ما تبقى من السباق، فإننا حتماً سيكون عندنا لقاحاً ضد فيروس كورونا في ديسمبر من العام الجاري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق