الاثنين، 6 يوليو 2020

احتراق المجمع النووي في إيران


كلما سمعتُ أو قرأت خبراً عن حادثة انفجار أو حريق وقع في أي مجمعٍ نووي، أو محطة تعمل بالطاقة النووية، أو غواصة ذرية، فإنني فوراً يضيق صدري، وأضع يدي على قلبي خوفاً من التسربات الإشعاعية القاتلة التي قد تنبعث منها فتُلوث البر والبحر والجو، وتُعرض أجسادنا للأسقام الحادة المؤلمة، والعلل المزمنة المستعصية على العلاج.

فمثل هذه الحوادث تحيي في ذاكرتي بعض الكوارث النووية التي عاصرتها في حياتي، ومازالت آلامها وتداعياتها ماثلة أمام عيني، كالحادثة العصيبة التي وقعتْ في محطة ثري مايل آيلند(Three Mile Island) في ولاية بنسلفانيا الأمريكية في 28 مارس 1979، والكارثة التاريخية العقيمة التي نزلت على أوكرانيا فاحترق المفاعل النووي في تشرنوبيل في 26 أبريل 1986، وأخيراً الطامة الكبرى التي وقعت في اليابان في 11 مارس 2011 في محطة دايشي للطاقة النووية في فوكوشيما.

وقبل أيام، وبالتحديد في الثاني من يوليو احترق مبنى مجمع نطنز للطاقة النووية الإيراني الواقع في أصفهان، والذي يُعد المجمع الرئيس والأكبر الذي يحتوي على أجهزة الطرد المركزية لتخصيب اليورانيوم، حيث أكدت السلطات الإيرانية عن عدم حدوث أي تسرب للمواد المشعة إلى الهواء الجوي.

وفي الحقيقة فإنه من الطبيعي والمعتاد أن تُنكر إيران، أو أية دولة تحدث فيها حوادث لها علاقة بمفاعلات تعمل بالطاقة الذرية، بأن هناك تسرباً إشعاعياً قد وقع نتيجة لهذه الحوادث، بل وفي الكثير من الحوادث لا يعلم أحد عن أسباب وملابسات وقوع هذه الحادثة حتى يستفيد منها الجميع فيتجنب وقوعها، والتاريخ شاهد على ذلك. فعندما وقعتْ واحدة من أكبر الكوارث البيئية الصحية على وجه الأرض، وهي انفجار واحتراق إحدى وحدات محطة تشرنوبيل للطاقة النووية في يوم السبت 26 أبريل 1986 في منطقة تشرنوبيل في أوكرانيا واحدة من جمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقاً، لم يكن أحد خارج نطاق المحطة يعلم بوقوع هذه الطامة الكبرى سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي، فقد أخفتْ وصمتت عنها السلطات الرسمية السوفيتية لعلها تمر دون حدوث أي ضجيج أو احتجاج من أحد، ولكن أجهزة مراقبة التلوث الإشعاعي في الهواء الجوي وأجهزة الإنذار المبكر في مدينة فورس مارك (Forsmark) الواقعة شمال ستوكهولم في السويد صاحتْ بصوتٍ عال، وكشفت هذا الإشعاع المخفي، وحذَّرت من وجود نسبٍ مرتفعة غير طبيعية وغير عادية من الملوثات المشعة في الهواء الجوي، حيث تبين بعد التحقيق وتحليل نتائج قياسات الأجهزة والجهة التي قدمت منها هذه الإشعاعات، بأنها قد أتت من أوكرانيا، مما خلق مشكلة سياسية حادة وشديدة بين الدول المعنية، فاضطر الاتحاد السوفيتي بعدها الاعتراف رسمياً بوقوع التسرب الإشعاعي العقيم.

وبين الحين والآخر نقرأ عن ارتفاعِ مستوى الإشعاع عن المستويات العادية الطبيعية يتم الكشف عنها من قبل بعض الدول التي بها أجهزة إنذار مبكر للمواد المشعة في الهواء الجوي، ولكن لا يعرف أحد مصدر هذا الإشعاع المجهول، ولا تعترف مع الأسف أية دولة عن أن هناك حادثة تسرب إشعاعي قد وقعت عندها، أو أن هناك خللاً فنياً عرضياً قد طرأ على أحد مفاعلاتها النووية، أو غير ذلك من الأسباب، فالصمت والإنكار هما سيدا الموقف في مثل هذه الحالات.
فهناك عدة تسربات إشعاعية مجهولة وقعت في بعض المناطق في العالم، وبخاصة في القارة الأوروبية، وكانت مجهولة المصدر والموقع ولم تتمكن الدول المعنية من معرفة المكان الذي انبعث منه الإشعاع. فعلى سبيل المثال، في 28 يونيو من العام الجاري رصَدتْ أجهزة قياس الإشعاع في الهواء الجوي في دول شمال غرب القارة الأوروبية، مثل فنلندا، والنرويج، والسويد نسباً مرتفعة من المواد المشعة تزيد عن النسب "الطبيعية" والعادية التي تقيسها كل يوم، ولكن لم تعترف أية دولة بأنها هي مصدر هذا الإشعاع، علماً بأن السلطات الهولندية التي قامت بدراسة تحليلية معمقة لنوعية وكمية المواد المشعة أشارت إلى أن مصدر هذا الإشعاع المجهول هو منطقة تقع في شمال غرب روسيا لوجود مفاعلات نووية فيها، إضافة إلى وجود مصانع لتدوير وإعادة تصنيع الوقود النووي المستنفذ، ولكن كالعادة فقد أنكرت روسيا مثل هذه الادعاءات.
فالحادثة التي وقعت في إيران، سواء أدت إلى تسرب إشعاعي أم لا، فإنها من الضروري أن تجعلنا نتوقف عندها ملياً، ونفكر جدياً في كيفية التعامل معها حالياً ومستقبلاً، ونضع استراتيجية خليجية بعيدة المدى متعلقة بسبل إدارة الأزمات الإشعاعية لو وقعت، وطرق تنجبها ومنعها.
وفي هذا الإطار أقترح ما يلي:
أولاً: على الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحمل مسؤولياتها الكاملة، ولعب دور إيجابي وفاعل في مجال وضع الإجراءات الصارمة لمنع حدوث التسربات الإشعاعية، إضافة إلى نشر الخطط الواقعية لإدارة هذه الإشعاعات، لو وقعت في أية دولة. كما على الوكالة الدولية التعامل بالمثل مع كافة دول العالم النووية في هذا المجال، سواء أكانت من الدول العظمى المتقدمة أو الدول النامية الفقيرة، فالإشعاعات إذا تسربت تؤثر على الجميع بدون استثناء.
ثانياً: عقد اتفاقيات ملزمة متعددة الأطراف بين دول الخليج لمعالجة كافة الأمور المتعلقة بالتسربات الإشعاعية، من حيث إجراءات منعها أولاً، ثم الإعلان عنها فوراً عند وقوعها، وأخيراً كيفية التصدي لها وتخفيف آثارها على الإنسان وبيئته.
ثالثاً: وضع أجهزة إنذار مبكر للإشعاع تقوم بقياس نسبة الإشعاع في الهواء الجوي بشكلٍ مستمر على مدار العام.
رابعاً: العمل على جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من الاستخدامات العسكرية للطاقة الذرية من جهة، وخالية من أسلحة الدمار الشامل من جهة أخرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق