الأربعاء، 1 يوليو 2020

أين تذهب مخلفات كورونا؟


ظاهرة بيئية وصحية جديدة انكشفت خلال الأشهر القليلة الماضية، وبدأت محلية على مستوى الدول، وتحولت مع الوقت إلى ظاهرة عالمية تعاني منها كل دول العالم، كما انتقلت سلبياتها وتداعياتها من أحد مكونات البيئة وهي الأرض والتربة والمناطق الحضرية إلى المسطحات المائية، وبالتحديد البحار والمحيطات في الشواطئ وفي الأعماق السحيقة تحت سطح البحر.

فمع فيروس كورونا الخبيث ظهرت الكثير من الخفايا، وانكشفت العديد من الأسرار، وصاحبت هذا الفيروس مشكلات جانبية تفاقمت مع استمرار نزول هذا الفيروس على المجتمع البشري في كل أنحاء المعمورة.

ففيروس كورونا جلب معه المرض العضال منذ أكثر من سبعة أشهر، ومازال المرض مستمراً يحصد في أرواح البشر، وفي الوقت نفسه صاحبته مشكلات بيئية وصحية من نوعٍ آخر لم يتوقعه الإنسان، وتتمثل في المخلفات الصلبة الناجمة عن الوقاية من هذا المرض التي تُستعمل مرة واحدة فقط ثم يتم التخلص منها كل ساعة أو بشكلٍ يومي، سواء أكانت هذه المخلفات من استخدامات الأطباء والطواقم الطبية التي تعالج هذا المرض في المستشفيات والمراكز الصحية المتخصصة، أو من الأفراد العاديين، مثل الأدوات الشخصية الواقية للإنسان كالكمامات، والأقنعة البلاستيكية التي توضع من فوق الرأس، إضافة إلى القفازات والملابس البلاستيكية التي تقي الجسم كله. فكل هذه الأطنان من مخلفات كورونا لم تجد طريقها إلى المكان المناسب والمخصص لمثل هذا النوع المعدي من المخلفات، ولذلك شاهد الجميع مثل هذه المخلفات مُلقاة في الشوارع العامة، ومرمية في الطرقات، وجاثمة في داخل المجمعات، ومن أمام بوابة المحلات التجارية والبرادات، كما أن الجميع رأى هذه المخلفات ملقاة على الأرض في مواقع أجهزة السحب النقدي الآلي.
 
فمثل هذه المشاهد غير الحضارية، وغير اللائقة بالشعوب الواعية والمثقفة، ومثل هذه السلوكيات غير الصحية والضارة بالبيئة وثرواتها ومواردها الحية وغير الحية، جعلت الكثير من الدول، ومنها البحرين إلى الإسراع في اتخاذ الإجراءات الضرورية للتعامل مع هذه الأحجام الضخمة اليومية من المخلفات والتخلص من هذه المناظر الكئيبة، ومن هذه الإجراءات رفع وتعزيز الوعي الصحي والبيئي لدى كافة شرائح المجتمع وتحفيزهم على ممارسة التصرفات البيئية والصحية السليمة والحامية لصحة الأفراد والمجتمعات، إضافة إلى توزيع الحاويات في بعض الشوارع التجارية والخدمية والمواقع الهامة التي تشهد حركة كثيفة من الناس كالمجمعات والبرادات والمراكز الصحية من أجل تشجيع الناس على التخلص من مخلفات كورونا من الكمامات والقفازات المستخدمة في مواقعها الصحيحة، وعدم رميها خارج الحاويات، أو في الأماكن العامة.

ولكن هل انتهت القصة عند هذا الحد، أم أن لها أبعاداً خطيرة أخرى تتجاوز تلوث التربة والشوارع والمحلات والمشاهد غير الحضارية في المدن؟

لقد أفادت بعض الدراسات الميدانية المصورة التي قامت بها بعض الجمعيات والمنظمات الأهلية بأن مخلفات كورونا الصلبة تجاوزت المناطق الحضرية، وتخطت حدود تلوث التربة حتى وصلت إلى المسطحات المائية، من بحيرات وبحار ومحيطات. فقد حملت الرياح هذه المخلفات المرمية على الأرض وفي مواقع دفن المخلفات أو مع مياه المجاري فانتقلت مع الوقت من هذه البيئات إلى أن استقرت في نهاية المطاف في البيئات البحرية على السطح وفي قاع البحر.
فقد وثقتْ عدة منظمات بيئية هذه الظاهرة في فيديوهات نُشرت عبر وسائل الاتصال الاجتماعي الجماعي. فعلى سبيل المثال، صوَّرتْ منظمة فرنسية(Opération Mer Propre) تراقب وتتابع هذه الحالة البيئية التي استجدت مع انكشاف كورونا، وأكدت وجود مخلفات كورونا من قفازات وكمامات والزجاجات البلاستيكية التي تحتوي على المواد المطهرة والمعقمة لليد، وهي تسبح حرة طليقة على سطح البحر، أو تجثم في قاعها على الشواطئ الفرنسية في منطقة انتيب(Antibes) وريفيرا، حيث قال أحد علمائها:" في الوقت القريب سيتكون هناك كمامات في مياه البحر الأبيض المتوسط أكثر من قناديل البحر". كذلك شاهدتُ صوراً لهذه المخلفات في مجموعة جزر سوكو(Soko) النائية غير المأهولة بالسكان في هونج كونج، حسب تقرير المنظمة البيئية محيطات آسيا( OceansAsia) التي أفادت بأن في كل مائة متر من طول الساحل تم إيجاد مائة كمامة حملتها الرياح والتيارات المائية من المناطق الحضرية ومن مواقع دفن المخلفات والبيئات الساحلية إلى هذه الجزر النائية.
فهذه الظاهرة الحالية المتمثلة في انتقال مخلفات كورونا البلاستيكية إلى البيئة البحرية هي جزء من ظاهرة قديمة ومتجددة تتمثل في تلوث البحار بالمخلفات عامة، والمخلفات البلاستيكية خاصة، وقد نشر برنامج الأمم المتحدة للبيئة تقريراً في 5 يونيو 2018، عنوانه: "حالة البلاستيك: تقرير يوم البيئة العالمي لعام 2018"، حيث قدَّر التقرير بأن هناك قرابة 13 مليون طن من المخلفات البلاستيكية التي تلوث البحار سنوياً، وهذه المخلفات البلاستيكية مستقرة وثابتة ولا تتحلل، ولكنها بفعل حرارة الجو والمياه، وبفعل حركة الرياح وقوة التيارات المائية تتفكك وتتكسر مع الوقت إلى قطعٍ أصغر فأصغر يُطلق عليها الميكروبلاستيك، أو النَانُو بلاستيك، وهذه الجسيمات البلاستيكية المتناهية في الصغر تتراكم في البيئة البحرية وتستقر في نهاية المطاف في أجسام الكائنات البحرية التي يستهلكها الإنسان، مما يعني بأن أجسامنا تكون قد تلوثت بهذه الجسيمات البلاستيكية دون أن نعلم بها.
ولذلك ونحن الآن نعيش في عهد كورونا علينا أن لا نُفاقم ونزيد من مشكلة تلوث البحار بالمخلفات البلاستيكية، مما يستوجب على الجميع تحمل المسؤولية ووضع مخلفات كورونا في مكانها الصحيح حتى لا تتحول هذه المخلفات من أدوات لوقايتنا من كورونا إلى وسائل لنقل ونشر المرض إلى الآخرين وتلويث بحارنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق