الخميس، 9 يوليو 2020

الحرب ضد كورونا تبدأ بالحرب ضد البدانة


أعلن رئيس الوزراء البريطاني، بُوريس جونسون في 14 مايو من العام الجاري بأن الحرب ضد البدانة والوزن المفرط والسمنة الزائدة هي الخطوة الاستباقية الأولى والسياسية الوقائية التي يجب تبنيها من أجل النجاح في الحرب المعلنة منذ أكثر من ستة أشهر طويلة ضد فيروس كورونا الجديد.

وهذا الإعلان الواضح والصريح لم يأت من فراغ، ولم يُبن فقط على الأدلة العلمية والبراهين الدامغة حول العلاقة بين مرض فيروس كورونا والبدانة التي تعاني منها الكثير من المجتمعات المرفهة والمتحضرة، وإنما انطلق من أعماق قلب رئيس الوزراء البريطاني بسبب المعاناة الشخصية العصيبة التي وقع فيها، وقاسى من ويلاتها وآلامها. فقد أُصيب بمرض فيروس كورونا في أبريل، وأدخل المستشفى نتيجة للأعراض الحادة التي ظهرت عليه، ثم مع اشتداد هذه الأعراض والآلام التي بدأ يعاني منها، تم نقله إلى قسم العناية المركزة، ونظراً لعدم وصول أجله المحتوم، فقد تعافى من المرض، وبعد خروجه من المستشفى تشكلت عنده عدة قناعات صحية شخصية، من أهمها بأن وزنه الزائد وسمنته المرتفعة أدت إلى وقوعه في فك الفيروس الخبيث، وتدهور حالته الصحية فجأة واحدة، فقد أكد رئيس الوزراء بأن البدانة هي التي تسببت في وقوعه في هذه التجربة القاسية، فعاهد نفسه على أن يبدأ بمحاربة البدانة في المجتمع البريطاني كأحد الإجراءات الصحية لمكافحة ومواجهة مخاطر كورونا.

وهناك العديد من الدراسات الميدانية التي بدأت تنكشف مع مرور الوقت ومع ازدياد الحالات المرضية والموت منها في جميع أرجاء العالم، مما جعل الفرصة سانحة للعلماء لإجراء تحاليل إحصائية منهجية حول علاقة حالات كورونا المرضية وأعداد الموتى بمتغيرات كثيرة، منها العمر، والجنس، والعرق، والتدخين بجميع أنواعه ومسمياته، وتلوث الهواء الجوي في المدن، إضافة إلى دراسة احتمال وجود روابط وعلاقات بين الإصابة بالفيروس الخبيث والأمراض الأخرى المزمنة التي وقع فيها البشر في الدول الغنية والثرية، مثل السكري، والبدانة، وارتفاع ضغط الدم، وغيرها.

فأحد هذه العوامل والمتغيرات التي لها علاقة بمرض فيروس كورونا هو البدانة، والتي يُطلق عليها العلماء في حد ذاتها بالوباء الجديد لانتشاره في كل دول العالم وتحوله إلى ظاهرة صحية مزمنة، حتى أن الأطفال لم يسلموا من الوقوع في شر هذا الوباء. فعلى سبيل المثال، نحو 20% من أطفال الولايات المتحدة الأمريكية يعانون من البدانة، وقرابة 40% من المراهقين والشباب وقعوا في شباك هذا المرض، كما أن 20% من أطفال بريطانيا ممن تتراوح أعمارهم بين 10 إلى 11 مصنفون بأنهم يعانون من البدانة، حسب إحصاءات "مكتب الإحصاء القومي". ودول مجلس التعاون ليست بعيدة عن هذا المرض، حيث تشير آخر الإحصائيات أن نسب الإصابة بالسمنة المفرطة تُعد مرتفعة مقارنة بدول العالم الأخرى، وبخاصة الفقيرة منها، فقد بلغت في الكويت 36% للذكور و 48% للإناث، والإمارات 25% للذكور و 42% للإناث، وفي البحرين 20% للذكور و 38% للإناث، وفي قطر 32% للذكور و 19% ، وفي عمان 8% للذكور و 17% للإناث.

ولذلك من الضروري التعرف على مدى ارتباط البدانة بكورونا. ومن أولى الدراسات تلك المنشورة في مجلة اللانست الطبية في نهاية شهر مارس حول علاقة البدانة بكورونا في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم في 28 أبريل أفادت دراسة نشرتها "كلية إمبريل اللندنية" شملت مرضى من 166 مستشفىً في بريطانيا، فمن بين 17 ألف مريض كان البدناء والذكور الأكثر عرضة لمصيبة الموت من كورونا بنسبة 33% مقارنة بغيرهم ممن لا يعانون من الوزن الزائد. كما أجرت جامعة جلاسجو في السابع من مايو تحليلاً لعينة من 430 ألفاً واستنتجت بأن المرضى المصابين بالبدانة تتضاعف عندهم احتمال الدخول إلى المستشفى للعلاج من كورونا والإصابة بأعراض حادة وشديدة من الفيروس. كذلك أفادت الإحصائيات المنشورة من "مكتب الإحصاء القومي" في العاشر من مايو بأن 35% من المصابين بفيروس كورونا كانوا من البدناء، كما أن 27% من الموتى من الفيروس كانوا يعانون من الوزن المفرط، إضافة إلى دراسة جامعة ليفربول في العاشر من مايو وشملت 17 ألف مريض بكورونا، حيث وجدت بأن نسبة الموت بالنسبة للبدناء أعلى من غيرهم بـ 37% حتى ولو كانوا صغاراً في السن.

وجدير بالذكر بأن للبدانة علاقة بالإصابة بأمراض أخرى مزمنة غير معدية، فعندما يزيد وزن الإنسان ويصبح بديناً تزيد عنده احتمال الإصابة بأمراض القلب، وتصلب الشرايين، والتهاب المفاصل، وبعض أنواع السرطان، إضافة إلى مرض السكري من النوع الثاني. وفي الوقت نفسه، أفادت بعض الدراسات الأولية بأن إصابة الإنسان بالسكري ترفع عنده مخاطر التعرض لفيروس كورونا والموت بسببه. فهناك دراسات أولية أفادت إلى وجود علاقة بين السكري والإصابة بكورونا. فعلى سبيل المثال، أشارت إحصائيات "الخدمات الصحية القومية" في بريطانيا للفترة من 31 مارس إلى 12 مايو وشملت 5873 من البريطانيين الذين قضوا نحبهم بسبب هذا الفيروس الكوروني بأن ربع الذين ماتوا كانوا يعانون من مرض السكري، وهي تمثل زهاء 26% من مجموع من لقوا حتفهم من هذا المرض العصيب، علماً بأن قرابة 6% من البريطانيين مصابين بالسكري، مما يجعلهم فريسة سهلة لفيروس كورونا. كذلك هناك الدراسة التي قامت بها "الإدارة القومية للسكري والبدانة" في العشرين من مايو وشملت 23804 مرضى وأفادت بأن ثلث الذين قضوا نحبهم بسبب كورونا في إنجلترا كانوا يعانون من مرض السكري، كما أشارت الدراسة إلى أن الإصابة بالسكري يضاعف من احتمال الموت من كورونا، وقد خصلت إلى أن البدانة التي تسبب السكري هي من أهم أسباب موت البريطانيين من كورونا.

واستناداً إلى هذه الأبحاث التي أشارت إلى وجود علاقة بين مرض فيروس كورونا والبدانة ومرض السكري، والتي أفادت بأن المصاب بداء البدانة والسكري سيكون أكثر عرضة للوقوع في شباك كورونا ونزول أعراض حادة وشديدة عليه، ثم التعرض أخيراً لمصيبة الموت، مما يؤكد بأن أية استراتيجية طويلة الأمد لمحاربة فيروس كورونا يجب أن تكون شاملة ومتكاملة وتغطي كل العوامل والمسببات التي تسقط الإنسان في شر كورونا وتفاقم من حالة المريض، وبالتحديد يجب أن تشمل مواجهة أمراض أخرى لها علاقة حميمية بكورونا وعلى رأسها البدانة والسكري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق