الخميس، 18 فبراير 2021

أسئلة استراتيجية لحكومتنا حول السيارات


الأسئلة التي سأرفعها إلى حكومتنا الموقرة مبنية على التغيرات والتطورات الدولية والإقليمية الجذرية في مجال السيارات عامة، وبالتحديد في قطاع السيارات الكهربائية، وهذه الأسئلة تستند إلى السياسات التي تبنتها دول العالم حول نقل سيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري، وبالتحديد الجازولين والديزل إلى مثواها الأخير بشكلٍ دائم خلال العقود القليلة القادمة، إضافة إلى الاستثمارات المالية الضخمة التي خصصتها شركات صناعة السيارات الكبرى لإنتاج أنواع كثيرة من السيارات الكهربائية، وفي الوقت نفسه نبذ سيارات الجازولين والديزل والتخلص منها كلياً وإلى الأبد وبدون رجعة.

فالعالم يشهد اليوم انقلاباً نوعياً في عالم المواصلات والنقل الشخصي والجماعي البري، فالكل أعد العدة سياسياً، وإدارياً، واقتصادياً، للسنوات القادمة للتحول كلياً من سيارات الاحتراق الداخلي التي تعمل بالجازولين، أو الديزل، أو الغاز الطبيعي إلى السيارات التي تشتغل بالبطاريات التي تشحن بالطاقة الكهربائية، بحيث إن العالم بحلول عام 2050 سيكون خالياً من السيارات التي تعمل بمشتقات النفط، وشوارعنا ستمتلأ بسيارات المستقبل النظيفة والتي لا تنبعث منها أية ملوثات سامة أو مسرطنة، وهي السيارات الكهربائية.

فالخطوة الأولى في هذا الانقلاب بدأت برسم ووضع سياسات الدول وتحديد أولوياتها، والتي تصب في تبني السيارات الكهربائية كاختيار استراتيجي طويل الأمد من أجل أولاً الخفض التدريجي في الاعتماد على مصادر الوقود غير المتجددة وهي النفط والغاز الطبيعي وتنويع مصادر الطاقة بشكلٍ عام سواء في مجال توليد الكهرباء، أو في قطاع المواصلات، وثانياً تجنب استخدام الوقود غير النظيف والملوث للبيئة والمسبب لظاهرة التغير المناخي وسخونة الأرض، والمدمر في الوقت نفسه للصحة العامة.

فعلى سبيل المثال، اتخذ الاتحاد الأوروبي قراراً جماعياً في عام 2019 بمنع بيع سيارات الجازولين بدءاً من عام 2040، كما أعلن رئيس وزراء بريطانيا بورس جونسون في 20 نوفمبر من العام المنصرم بأن بريطانيا ستتوقف عن بيع جميع أنواع السيارات التي تعمل بوقود الجازولين والديزل بحلول عام 2030، كما أفاد بأنه سيخصص مبلغ 12 بليون جنيه للاستثمار في ما أَطلق عليه بـ "الانقلاب الصناعي الأخضر"، وأن هذا الانقلاب سيحدث "الطفرة البيئية"( eco-boom) المنتظرة، ومن بينها تخصيص 582 جنيهاً للسيارات الكهربائية. كذلك أصدر الرئيس الأمريكي جو بايدن أمراً تنفيذياً في 29 يناير من العام الجاري يوجه فيه كافة الوزارات والأجهزة الحكومية إلى ضم وإدخال السياسات المتعلقة بمكافحة التغير المناخي في برامج وجدول أعمال هذه الأجهزة والتي من بينها خفض نسبة الانبعاث من السيارات، وتشجيع التحول نحو السيارات الكهربائية والتي من بينها تحويل أسطول السيارات الحكومية الفيدرالية الذي يبلغ عدده أكثر من 650 ألف إلى سيارات كهربائية، وبناء نحو نصف مليون محطة للتزود بالكهرباء. كما أكد حاكم ولاية كاليفورنيا بأنه بحلول عام 2035 ستكون جميع السيارات في كاليفورنيا لا تنبعث منها أية ملوثات. كذلك أعلنت الصين بأن معظم السيارات التي ستُباع في الصين بحلول 2035 ستكون كهربائية، وفي الوقت نفسه تعهد رئيس الوزراء الياباني بمنع بيع سيارات الجازولين بحلول منتصف عام 2030. وفي الهند، وحسب المقال المنشور في البلومبيرج في 25 يناير من العام الجاري والمنقول من تقرير أكبر شركة مصنعة للسيارات في الهند(Mahindra & Mahindra Ltd.) فإنه بحلول عام 2030 ستكون السيارات الكهربائية هي المهيمنة على السوق الهندية. وعلاوة على ذلك فإن بعض الدولة مثل النرويج اتخذت خطوات متسارعة نحو إحالة سيارات الجازولين والديزل إلى التقاعد، فهي أول دولة في العالم حولت 54.3% من سياراتها الجديدة في عام 2020 إلى السيارات الكهربائية مقارنة بـ 42.4% في عام 2019، حسب إحصائيات المجلس المعلوماتي حول السيارات في السادس من يناير من العام الجاري.

 

وهذه السياسات الحكومية الرسمية تمت ترجمتها إلى أرقام مالية، فليست هي حبراً على ورق، أي أن هذه السياسات تحولت إلى دعم مالي مباشر أو غير مباشر من خلال القروض والإعفاء من الضرائب لتشجيع الشركات المنتجة للسيارات والمستهلكين إلى التوجه نحو هذا الجيل الجديد من السيارات. فعلى سبيل المثال، ستمنح الحكومة البريطانية قرضاً بمبلغ 500 مليون جنيه إسترليني لشركتي جاجوار ولاند روفر لإنتاج السيارات الكهربائية، كما أن الحكومة الصينية أقرضت في 14 يناير من العام الحالي مُصنعي السيارات الكهربائية، مثل شركة سيارات (Xpeng Motors) مبلغ 1.98 بليون دولار، كذلك استثمرت بعض دول الخليج كقطر والإمارات العربية المتحدة مبلغ أكثر من بليونين دولار في هذه الشركة الصينية وشركة نيو(Nio) للسيارات الكهربائية، حسب ما ورد في تقرير البلومبيرج في 27 أغسطس 2020، وفي 12 يناير من العام الجاري.

كذلك فإن هذه السياسات والاستراتيجيات الحكومية انعكست مباشرة على سياسات وبرامج الشركات المصنعة للسيارات، فاتجهت كلها نحو إنتاج السيارات الكهربائية واستثمرت المليارات للتنافس في سباق الاستحواذ على سوق السيارات الكهربائية. فشركة جنرال موتورز الأمريكية العريقة أعلنت في 29 يناير 2021 بتحولها إلى السيارات الكهربائية وإحالة سيارات الجازولين والديزل بحلول عام 2035 إلى التقاعد، كما أكدت بأنها ستستثمر 27 بليون دولار لإنتاج 30 نوعاً من السيارات الكهربائية، وشركة فورد ستدخل هذا القطاع الجديد للسيارات بمبلغ 38 بليون دولار، حسب التقرير المنشور في صحيفة النيويورك تايمس في 15 يناير 2021. وأما شركة الفولكس واجن الألمانية ستستثمر 88 بليون دولار لإنتاج هذه السيارات خلال الخمس سنوات القادمة، إضافة إلى دايملر أو مرسيدس_بنز التي ستدخل سوق السيارات الكهربائية عام 2022 بأنواع مختلفة، بناءً على تقرير البلومبيرج في 14 يناير 2021. كذلك اتخذت الشركات اليابانية والصينية والكورية خطوات مماثلة ودخلت بقوة في سوق إنتاج السيارات الكهربائية.

وانطلاقاً من كل هذه الحقائق حول المصير المحتوم لسيارات الجازولين والديزل وبزوغ فجر السيارات الكهربائية، يجب أن نطرح الأسئلة التالية على الحكومة لدراستها ووضع خطة استراتيجية شاملة ومتكاملة تضم كل وزارات وهيئات الدولة إضافة إلى القطاع الخاص لكيفية التعامل المستقبلي مع السيارات.

أولاً: ماذا ستفعل الحكومة بعد أن توقف الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية واليابان والصين وكوريا وغيرها بعد عام 2030 إنتاج السيارات التي تعمل بالجازولين أو الديزل؟

ثانياً: أي نوع من السيارات ستستورد إذا ما توقفت صناعة السيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري، سواء الغاز الطبيعي، أو الجازولين، أو الديزل؟

ثالثاً: هل ستتجه الحكومة نحو السيارات الكهربائية كباقي دول العالم؟ ومتى سيكون تاريخ البدء في استيراد هذه السيارات؟ وإذا فعلت ذلك، متى ستوفر البنية التحتية اللازمة لتشغيل هذه السيارات، مثل محطات الشحن والتزود بالكهرباء، ومستلزمات الصيانة، وإدارة المخلفات الناجمة عن السيارات وغيرها من خصوصيات السيارات الكهربائية؟

رابعاً: إذا اتجهت الحكومة نحو السيارات الكهربائية، فماذا سيحصل لإنتاج الجازولين والديزل في مصنع التكرير، فالطلب عليهما سينخفض كثيراً مع الوقت؟

خامساً: إذا اتجهت الحكومة نحو السيارات الكهربائية، فهل ستقوم برفع طاقة إنتاج الكهرباء من محطات توليد الكهرباء، لأن الطلب سيزيد على الطاقة الكهربائية بشكلٍ ملحوظ لشحن بطاريات مئات الآلاف من السيارات يومياً؟

سادساً: كيف ستتعامل الحكومة مع ارتفاع نسبة الملوثات في مواقع ومصانع توليد الكهرباء؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق