الاثنين، 22 فبراير 2021

اقتراح مفاهمات دولية لمواجهة كورونا

أعلن الفريق الفني الخاص الذي شكلته منظمة الصحة العالمية لتقصي الحقائق في الصين حول مصدر فيروس كوفيد_19 بأن هناك احتمالاً بسيطاً يفيد بأن الفيروس انتشر من سوق وهان للأغذية البحرية. وهذا الفريق أطلقتُ عليه بفريق "المهمة المستحيلة" بسبب العراقيل والصعوبات التي وقفتْ أمام إتمام هذه المهمة الصعبة، ومن بينها رفض السلطات الصينية لفكرة تشكيل هذا الفريق المختص بالأوبئة وعلم الفيروسات، ثم رفض السماح له في البداية من دخول الأراضي الصينية.

 

فهذا الفريق المتخصص من خبراء العالم لم يصل إلى استنتاجات وأدلة دامغة حول أسرار وخفايا الفيروس، ولكن صرح عن الكثير من "الاحتمالات"، حيث أعلن فريق التحقيق في التاسع من فبراير من العام الجاري أن احتمال تسرب الفيروس من أحد مختبرات ووهان منخفض جداً، كما أن آلية وطريقة انتقال الفيروس من الحيوانات، وبالتحديد من الخفاش أو من غيرها من الحيوانات الوسيط إلى الإنسان غير معلومة، وعلاوة على ذلك فمن غير المعروف ما إذا كانت سوق ووهان للأغذية البحرية هي المصدر الأولي للفيروس، أو أن الفيروس جاء من مصدر آخر إلى السوق وغزا المجتمع البشري من هناك، كما أشار الفريق إلى احتمالية انتقال الفيروس إلى الإنسان من الأغذية المجمدة. 

 

فهذا الفريق في تقديري لن يحصل على أي دليل علمي وملموس ودامغ حول هوية هذا الفيروس العقيم الجديد، وربما لن ينجح في كشف الحقائق حول مصدر هذا الفيروس ووسائل وأدوات انتشاره بهذه السرعة الفائقة غير المتوقعة والتي غطت كل شبر من الكرة الأرضية، حتى الذي يبعد آلاف الكيلومترات عن المستعمرات البشرية في مناطق الثلوج النائية أو الصحاري الحارة القاسية، فقد أجَّلت الحكومة الصينية وصول هذا الفريق أشهر طويلة من أجل كسب الوقت، فتمكنت من خلالها مسح وإزالة أي دليل، أو مؤشر قد يؤدي إلى انتقاد المجتمع الدولي لها بأي شكلٍ من الأشكال أو يوجه أصابع الإتهام لها بالتقصير.

 

ولكن الحقيقة التي لا تخفي على أي بشر، حتى ولو كان عامياً بسيطاً، أو جاهلاً غير متعلم، فالجميع رآها رأي العين، هي أن هذا الفيروس انتقل أولاً من مدينة وهان في الصين وبدأ في الانتشار وغزو الدول وبسرعةٍ كبيرة لم تخطر على بال أحد، وعلى نطاقٍ جغرافي واسع يتغطى الحدود الجغرافية لدول العالم، ولا يمكن التحكم فيه بسهولة أو السيطرة عليه وكبح جماحه، حتى أن الدول الصناعية المتقدمة والأكثر تطوراً وقعت فريسة ولقمة سائغة لهذا الفيروس أكثر من الدول الفقيرة والضعيفة،  كما يشهد الجميع حالياً بأن هذا الفيروس قضى على أكثر من 2.5 مليون إنسان وأصاب قرابة 106 ملايين، وعداد الموتى والمصابين مازال يعمل ولن يتوقف على المدى القريب.

 

فكيف إذن يمكن القضاء على هذا الكرب العظيم، أو في الأقل السيطرة على تمدد وتوغل هذا الفيروس في كل بقعة من كوكبنا في الوقت الحالي وفي المستقبل؟

 

في تقديري لا يوجد حل واحد سحري يمكن الاعتماد عليه كلياً لاجتثاث هذا الفيروس من المجتمع البشري، وإنما هناك مجموعة من الحلول المتكاملة التي يجب أن تنفذ في الوقت نفسه على مستوى الدولة الواحدة، إضافة إلى إتباع الحل الشامل والجماعي المشترك على مستوى دول العالم أجمع، أي أن تقوم كل دولة موجودة على سطح كوكبنا بدون استثناء تطبيق هذه المجموعة من الحلول، فلا يمكن أن ننجح في مقاومة هذا الفيروس القاتل والتخلص من هذا المرض إذا قامت دولة أو مجموعة من الدول باتباع الحلول ولم تقم دول أخرى بذلك في الوقت نفسه، فهذا الفيروس شرس وسريع الانتقال كسرعة البرق من دولة معدية إلى دول أخرى بعيدة جغرافياً عنها، فلا يمكن أن يوقفه أحد، كما حصل بالفعل في بداية هذا الوباء حتى يومنا هذا.

 

والحلول التي أقترحها هي أولاً التسريع في عملية التطعيم الجماعي للبشر في كل أنحاء العالم، وثانياً مواصلة الإجراءات الاحترازية على المستوى الشخصي كلبس الكمامة وغسل اليدين، وعلى المستوى الجماعي كالتباعد الاجتماعي، وتجنب التجمعات في بيئاتٍ مغلقة لا توجد بها تهوية فاعلة، ثم مواصلة الفحص العشوائي للناس، وثالثاً إصدار شهادتين لكل إنسان يرغب في الانتقال والسفر من دولة إلى أخرى، الشهادة الأولى تفيد بأخذ اللقاح، والثانية تؤكد خلوه من المرض. كما إنني أقترح في الوقت نفسه أن تقوم منظمة الصحة العالمية باستخدام أداة وآلية المعاهدات الدولية متعددة الأطراف والتي تستخدم عادة لعلاج ومواجهة القضايا الجماعية المشتركة التي تخص كل دول العالم، ونتحمل جميعاً مسؤولية وقوعها وبالتالي علاجها، فتقوم هذه المنظمة بإعداد معاهدة دولية تتعهد فيها كافة دول العالم إلى الإلتزام بتنفيذها محلياً وإقليمياً ودولياً، بحيث تأخذ في الاعتبار هذه النقاط التي ذكرتها.

 

وهذا الوباء الصحي يذكرني بالوباء البيئي الصحي الذي يعاني منه كل دول العالم بدون استثناء منذ أكثر من قرن من الزمان، وهو قضية تلوث الهواء عبر الحدود الجغرافية والمظاهر المتعددة التي تنجم عنها. فعلى سبيل المثال من المظاهر المتعلقة بتلوث الهواء عبر الحدود الجغرافية هي المطر أو الضباب الحمضي، وظاهرة التغير المناخي أو الاحتباس الحراري، وظاهرة الضباب الضوئي الكيميائي. وكل هذه الظواهر قد تنشأ في دولة أو مجموعة من الدول وتنتقل عبر الهواء إلى دول أخرى، أو في بعض الأحيان نكون جميعاً المسؤولين عن انكشاف هذه الظاهرة، ولذلك كان الحل الدولي الناجع والفاعل لمواجهة وباء تلوث الهواء هو اللجوء إلى المعاهدات الثنائية بين الدول، أو المعاهدات الإقليمية، أو في بعض الحالات تكون المعاهدة دولية يشترك فيها كل دول العالم.

 

ومن هذه المعاهدات الدولية المعروفة التي وافقت عليها دول العالم للتصدي لوباء بيئي دولي محدد هي بروتوكول مونتريال للحد من المواد المستنفدة لطبقة الأوزون، واتفاقية التلوث بعيد المدى للهواء عبر الحدود، وبروتوكول كيوتو واتفاقية باريس المتعلقة بمكافحة وباء التغير المناخي وسخونة الأرض وارتفاع حرارتها، إضافة إلى اتفاقية ميناماتا بشأن الزئبق واتفاقية ستوكهولم حول الملوثات العضوية الثابتة.

 

وبناءً عليه فإنني أرى بأن العالم لن ينجح في مكافحة هذا الوباء الفيروسي الدولي العصيب إلا عن طريق مفاهمات، أو معاهدة دولية تحت مظلة الأمم المتحدة، بحيث تقوم كل دول العالم بشكلٍ جماعي مشترك ومستمر لسنوات قادمة بتنسيق جهودها وبرامجها، إضافة إلى قيام كل دولة بدورها وواجباتها على المستوى القومي تجاه التصدي للفيروس، ثم مراقبة ومحاسبة الدول التي لا تقوم بمسؤولياتها وتخفق في تنفيذ واجباتها، فهذا الوباء سيكون معنا سنوات طويلة قادمة، كما هو الحال بالنسبة لكورونا "الإنفلونزا الموسمية".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق