الأربعاء، 3 فبراير 2021

هل اقتحام بيت الديمقراطية الأمريكي أيقظ رجال السياسة؟


كان الرئيس السابق ترمب يصف الرئيس جو بايدن قبيل انتخابه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية بقوله "جو النائم"، وذلك ربما لقلة تصريحاته في مرحلة من المراحل لأسباب انتخابية تكتيكية، إضافة إلى ندرة خروجه أمام الأضواء وعدسات وسائل الإعلام في بعض الفترات أثناء الانتخابات الرئاسية.

 

ولكن هل استيقظ الآن "جو النائم" أمام تحديات الرئاسة الواقعية والمرهقة بعد أن دخل البيت الأبيض وجلس على الكرسي البيضاوي؟

 

وهل استعد لمواجهة الأزمات اليومية الفعلية التي تعاني منها الولايات المتحدة الأمريكية، بدءاً من تفاقم أعداد الموتى من هذا فيروس كورونا العقيم وتداعياته الصحية والاقتصادية والاجتماعية، حيث بلغ العدد الذين قضوا نحبهم قرابة نصف مليون أمريكي وأصاب أكثر من 25 مليون، علاوة على تهديدات اليمين المسيحي المتطرف الذي من المفروض أنها أيقظت جو وجميع رجال السياسة والتشريع والقضاء بعد الكرب العظيم غير المسبوق في تاريخ الديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية المستمر منذ أكثر من 230 عاماً، والمتمثل في غزو واحتلال بيت الديمقراطية ورمزها الشامخ والعريق، مبنى الكونجرس الأمريكي، من قبل الآلاف من جماعات اليمين المسيحي المتطرف والعنيف؟

 

وبالفعل فإن هذه الحادثة العصيبة هزَّت الجميع في أمريكا، وعلى رأسهم الرئيس جو بايدن الذي قال في خطاب التنصيب بعد أداء القسم: "نحن يجب علينا مواجهة وهزيمة النمو في السياسة المتشددة، العرق الأبيض، والإرهاب الداخلي"، ثم ترجم هذه الأقوال إلى أفعال وخطط، حيث أعلنت إدارته على لسان المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي (Jen Psaki) في 22 يناير عن القيام بتقييم التطرف العنيف الداخلي، وقالت بأن الرئيس وجه مدير المخابرات القومية، ومجلس الأمن الوطني، بالتعاون والتنسيق مع مكتب التحقيقات الفيدرالي، ووزارة الأمن الداخلي إلى إجراء تقييمٍ ومراجعة شاملة على ما أطلقتْ عليه "التهديد الأمني الخطير والمتنامي"، كما قالت بأن: "إدارة بايدن ستواجه هذا التهديد بالموارد الضرورية اللازمة". وعلاوة على ذلك فقد صَدر أول منشور حول التطرف الداخلي من وزارة الأمن الداخلي في 27 يناير من العام الجاري من جهة تحت وزارة الداخلية تُعرف بـ"منشور النظام الاستشاري للإرهاب القومي"، حيث أكد المنشور على التهديدات الفعلية التي تمثلها هذه الجماعات على الأمن القومي الأمريكي الداخلي.

ولكن هل هذه الدعوات من الرئيس بايدن جاءت في الوقت المناسب، أم أنها متأخرة قليلاً بعد أن تغلغلت هذه الجماعات في المجتمع الأمريكي واخترقت أجهزة الأمن؟

 

فهذه الجماعات بمسمياتها المختلفة، من جماعات اليمين المسيحي المتطرف، والميليشيات المسلحة والعنيفة، وجماعات تفوق العرق الأبيض، موجودة منذ قرون طويلة وتعتبر من نسيج المجتمع الأمريكي ولها تاريخ طويل في العنصرية العنيفة القاتلة، والاضطهاد لما هو غير أبيض من البشر وغير مسيحي، وبالتحديد جماعة الكو كلكس كلان(Ku Klux Klan) التي استعبدت السود واضطهدتهم وقتلتهم، ولكن قوة هذه الجماعات ونفوذها كانت دائماً بين مدٍ وجزر، وبين هيمنةٍ وضعف، وبين العمل في السر والعمل في العلن وأمام الناس، وهذه الاختلافات تعتمد على الدعم السياسي الذي تحصل عليه من رجال التشريع والسياسة، والغطاء السياسي والأمني الذي تتمتع به، والذي يختلف من عهد إلى آخر بناءً على سيطرة الجمهوريين أو الديمقراطيين في الحكم. وربما كان عهد ترمب من أفضل الأوقات لهم في العقود الماضية للظهور علانية من جديد، والسماح لهم بالنمو، والازدهار، والإعلان عن أفكارهم المتطرفة في وسائل الإعلام من خلال الغطاء الإعلامي الذي وفرته بعض القنوات مثل قناة "فوكس نيوز"، أو من خلال وسائل الاتصال الاجتماعي، إضافة إلى القيام بأعمال إرهابية عنيفة، حيث كان الرئيس السابق ترمب يدافع عنهم دائماً، ويرفض انتقادهم وشجب وإدانة جرائمهم العنيفة، وآخرها اقتحام مبنى الكونجرس تحت سمع وبصر ترمب، وانطلاقاً من تحريضه لهم للاحتشاد أمام البيت الأبيض، ثم الزحف نحو رمز الديمقراطية الأمريكية، وتعطيل اجتماع أعمال الكونجرس بمجلسيه النواب والشيوخ.

 

ولذلك توجيهات بايدن جاءت في الوقت المناسب لكبح جماح هذه الجماعات، وتجميد، أو تبطيء أنشطتها وأعمالها وأفكارها المتشددة والعنيفة قبل فوات الأوان، والدلائل والبراهين الميدانية على هذه الأعمال الإرهابية التي قامت بها، أو كانت تخطط للقيام بها كثيرة، أُقدم لكم بعضها على سبيل المثال لا الحصر.

أولاً: التفجير الإرهابي بشاحنة مليئة بالمتفجرات قام به تيموثي ماكفاي(Timothy McVeigh) لمبنى فيدرالي هو بناية ألفرد موراه(Alfred P. Murrah) في 1995 في مدينة أوكلاهوما بولاية أوكلاهوما وقَتَلَ على الفور 168، وجرح المئات، ودمر الكثير من الممتلكات والسيارات.

ثانياً: المسيرة التي قامت بها جماعات اليمين المتشددة تحت شعار "وحدوا اليمين" في مدينة تشارلوتسفيل(Charlottesville)بولاية فيرجينيا في 12 أغسطس 2017، والتي أظهروا فيها قوتهم ونفوذهم أمام المجتمع الأمريكي، وأدت إلى ارتكاب أعمال عنف إجرامية، حيث قام يميني مسيحي متطرف بقيادة سيارته بسرعة وسط الحشد من المتظاهرين وقتل امرأة على الفور، وجرح 19.

ثالثاً: قيام مسيحي يميني متطرف بإطلاق الرصاص على المتسوقين أمام مجمع وال مارت التجاري المعروف في مدينة ألباسو بولاية تكساس فقتل أكثر من 23 في مدينة ألباسو بولاية تكساس في الثالث من أغسطس عام 2019.

رابعاً: اقتحام مبنى عاصمة ولاية ميشيجن في مدينة لانسينج في 30 أبريل 2020 من جماعات اليمين المدججة بالسلاح.

خامساً: التخطيط لانقلاب كشف عنه مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي(إِفْ بِي آي) في 20 أكتوبر 2020 من قبل الجماعات اليمينية المسلحة، وكانت العملية تتضمن اختطاف حاكمة ولاية ميشيجن والقيام بأعمال إرهابية في الولاية برمتها وإنشاء مخيمات تدريبية عسكرية وتجنيد الأفراد للقيام بهذه العمليات.

سادساً: التخطيط لعمليات إرهابية أعلن عنها مكتب التحقيقات الفيدرالية في 22 ديسمبر 2020، والتي تتلخص في أن جماعات اليمين المسيحي المتطرف التي تؤمن بتفوق العرق الأبيض كانت تخطط للقيام بعملية عسكرية كبرى، تتمثل في الهجوم على شبكات توزيع الكهرباء ومحطات توليد الطاقة في ولايات جنوب شرق أمريكا، وأطْلقتْ المجموعة على هذه العملية "انطفاء النور"(lights out) من خلال قطع الكهرباء في صيف عام 2021.

 

فهل بعد كل هذه الأمثلة الدامغة سيعمل بايدن فعلياً على إصدار أوامر تنفيذية رئاسية أولاً، ثم التعاون مع الكونجرس على سن تشريعات حول "الإرهاب الداخلي" الذي هو من إنتاج وصناعة الأمريكيين أنفسهم؟ وهل سيخصص الكونجرس الموارد المالية اللازمة لمواجهة هذه الجماعات ومحاربتهم؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق