الأربعاء، 23 فبراير 2022

ما هو تصنيف الطاقة النووية بين مصادر الطاقة الأخرى؟

كُلنا سمع عن التجربة العظيمة الفريدة من نوعها على المستوى الدولي والعلمي، والانجاز الكبير الذي تحقق من هذه التجربة التي أجراها "مركز كلهام لطاقة الفيوشن"(Culham Centre for Fusion Energy) في أكسفورد في التاسع من فبراير من العام الجاري، والذي يعمل تحت إشراف "هيئة الطاقة الذرية" في بريطانيا بالتعاون مع بعض دول الاتحاد الأوروبي تحت برنامج بحثي عمره أكثر من أربعين عاماً اسمه "يورو فيوشن"(EUROfusion).

 

فهذه التجربة كانت حلماً بالنسبة للعلماء والمهندسين الذين يبحثون في موضوع "الاندماج النووي"(Nuclear Fusion)، ومثَّل لهم تحدياً كبيراً شغل بالهم منذ عقود طويلة من الزمن، وأُجريت العديد من التجارب السابقة لأكثر من أربعين عاماً لتحقيق هذا الحلم الكبير بجميع مشاهده وتفصيلاته، فتحول الحلم بعد هذه التجربة الرائدة إلى حقيقة واقعة رأوها رأي العين أمامهم، وهي إجراء تفاعلات الاندماج النووي التي تحدث في الشمس على الأرض، وفي مفاعلات خاصة صُممت لهذا الغرض، كان آخرها مفاعلات "توكاماك" (tokamak) من نوع "جيت" (Joint European Torus (JET)).

 

فقد نجح هذا الفريق العلمي المتعدد التخصصات ومن دول عدة في إدماج نظيرين من الهيدروجين الثقيل وهما الديتيريم و التريتيم (deuterium and tritium) تحت حرارة عالية جداً تبلغ نحو 150 مليون درجة مئوية، وضغط مرتفع ليتولد البلازما، أو سحابة من الغاز المؤين في مجال مغناطيسي، فتنطلق من عملية الاندماج النووي التي استمرت خمس ثوان فقط النيترونات(neutrons)، أو الطاقة الشديدة التي قُدرت بنحو 59 ميجا جول. ونجاح هذه التجربة، وتحطيمها للأرقام القياسية السابقة، يكمن في أن كمية الطاقة الناتجة والمنطلقة كانت أكبر من كمية الطاقة التي تم استخدامها في عملية التسخين، مما يعني بأن هذه الطاقة الزائدة يمكن استخدامها في توليد الكهرباء، أو كوقود في مجالات أخرى تحتاج إلى مصدر للطاقة.

 

والآن الخطوة الثانية في سباق توليد الطاقة من الاندماج النووي ستكون باستخدام مفاعلٍ جديد، أكبر حجماً، وأكثر تطوراً، ويُطلق عليه "المفاعل التجريبي النووي الحراري" Thermonuclear Experimental Reactor (ITER)). وهذا المفاعل كلفته نحو 25 بليون دولار، وتموله ثماني دول هي الولايات المتحدة الأمريكية، والصين، والهند، وروسيا، والاتحاد الأوروبي، والهند، واليابان، وكوريا الجنوبية، وموقعه في جنوب فرنسا.

 

ويأتي هذا الاهتمام بهذه التجربة وبتقنية الاندماج النووي بشكل عام بسبب سعي دول العالم أجمع، وبخاصة الدول الصناعية الكبرى التي تلهث وراء مصادر الطاقة وتغزو الدول وتدخل في الحروب من أجلها، فالطاقة بالنسبة لهذه الدول ودول العالم أجمع هي عصب الحياة، والركن الأساس لتحقيق التنمية المستدامة والانتعاش والازدهار الاقتصادي، ولذلك لا بد من مصدر الطاقة أن يكون مستداماً، فيتصف بعدة مميزات منها أن يكون نظيفاً فلا تنبعث عنه الملوثات، وبخاصة تلك المتهمة بالتغير المناخي ورفع درجة حرارة الأرض، مثل ثاني أكسيد الكربون، كما يجب أن يكون آمناً في استخدامه، ومتجدداً وغير ناضب، إضافة إلى يكون ذات مصداقية عالية وثبات واستقرار مرتفع، أي أنه يكون ذات فاعلية وقدرة مستمرة على توليد الطاقة في جميع الظروف والأحوال المناخية دون انقطاع أو انخفاض.

 

ومثل هذه الصفات تتوافر بعضها في الطاقة النووية، ولكن ليست الطاقة النووية باستخدام تقنية الانشطار النووي(nuclear fission) المستعملة الآن في جميع المفاعلات التي تنتج الكهرباء حول العالم. فهذه التقنية من سلبياتها التي لم تُعالج حتى الآن، بالرغم من مرور أكثر من مائة عام على اكتشافها واستخدامها، هي أنها غير آمنة كلياً، وقد تقع كوارث مدمرة على نطاق واسع، مثل كارثة ثري مايلز آيلند في ولاية بنسلفانيا الأمريكية في عام 1979، وكارثة تشرنوبيل في أوكرانيا في 1986، وأخيراً الطامة الكبرى التي وقعت في فوكوشيما في اليابان في 2011. وعلاوة على هذه السلبية الكبيرة، فإن تقنية الانشطار النووي للذرة، تُنتج كميات كبيرة من المخلفات الخطرة المشعة، ومنها أعمدة الوقود المستنفد(spent nuclear fuel rods)، وهذه المخلفات تعتبر الآن كقنبلة دمار شامل موجودة في جميع الدول التي لديها الآن، أو كانت لديها مفاعلات نووية لأغراض سلمية أو عسكرية في السابق. فهذه المخلفات المشعة تتمثل بشكلٍ كبير في الوقود المستنفد الذي استخدم في المفاعلات لتوليد الكهرباء، ثم تلاشت قدرته ونسبة إشعاعه مع الوقت، مما يستدعي استبداله بأعمدة وقود جديدة، وهكذا تتكرر عملية الاستبدال كل 12 أو 18 شهراً، مما يعني تراكم قنابل الدمار الشامل وتخزينها في مواقع المفاعلات سنة بعد سنة دون علاج جذري ومستدام.  

 

فهناك الآن، حسب بعض التقديرات، نحو ربع مليون طن من الوقوع المستنفد موجود في 14 دولة جاثمة كالقنابل النووية التي تنتظر أن تنفجر في أية لحظة، أو أن تتسرب منها الملوثات المشعة القاتلة، ومعظم هذه المخلفات موجود في أحواض مائية لتبريدها ومنع تسرب الاشعاع منها، أو في بعض الأحيان تكون مخزنة في براميل فوق الأرض، أو تحتها، وهذه أيضاً قد تتآكل وتصدأ وتنطلق منها الإشعاعات إلى الهواء الجوي. كما أن خطورة هذا الوضع الدولي قد يكون في قيام بعض الجماعات بعمليات إرهابية باستخدام هذه المخلفات المشعة، كذلك هناك كلفة عالية لا تقدر بثمن لصيانة هذه المخلفات ومتابعة سلامتها وأمنها، ومنع وصول أيدي المجرمين إليها.

 

وهناك بعض الحلول الترقيعية غير المستدامة لإدارة هذه المخلفات المشعة، فعلى سبيل المثال تقوم فرنسا بمعالجة وإعادة استعمال البعض منها، أو في بعض الأحيان تحولها إلى مادة زجاجية مستقرة تُعرف بتقنية الفيترفيكيشن(vitrification). ولكن في معظم الحالات يتجه الحل نحو التخزين طويل الأمد في أعماق الأرض، منها تجربة فنلندا التي وضعت المخلفات المشعة في أنابيب النحاس وخزنتها في باطن الأرض في صخور الجرانيت على عمق قرابة 1400 قدم، كما أن هناك تجارب أخرى لم تر النور بعد لأسباب سياسية وتقلبات الحكومات وتغيرها، مثل ما حدث في الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا.

 

أما تقنية الاندماج النووي فينطبق عليها معظم معايير مصدر الطاقة المستدام، فهي لا تنبعث عنها ملوثات، وبالتحديد ملوثات التغير المناخي كثاني أكسيد الكربون، كما أن المخلفات المشعة التي تنتج عنها تكون قليلة ومنخفضة الإشعاع، وهي آمنة وسليمة عند تشغيلها ويمكن الاعتماد عليها لتوليد الطاقة في جميع الظروف المناخية.

 

ولذلك هناك تهافت واستثمار كبير من الدول المتقدمة والغنية نحو تطوير هذه التقنية لتكون المصدر المستدام والنظيف للطاقة لجميع دول العالم. فعلى سبيل المثال، أعلنت شركة يابانية في مقاطعة كيوتو(Kyoto Fusioneering Ltd.) في 13 فبراير من العام الجاري عن خطتها لبناء مفاعل يعمل بتقنية الاندماج النووي، كأول محطة تجريبية لتوليد الكهرباء.

 

فالمستقبل إذن مشرق ويبشر بالخير الوفير بالنسبة لهذه التقنية النووية لتوليد الطاقة لتحظى بلقب "المصدر المستدام للطاقة"، ولكن الطريق مازال طويلاً وشاقاً ومكلفاً، وسيستغرق سنين طويلة لإنتاج المفاعل التجاري الذي يمكن أن يُعمم على دول العالم.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق