الخميس، 24 فبراير 2022

شركات أمريكية تتسبب في قتل الشعب الأمريكي


نقلتْ معظم وسائل الإعلام الأمريكية خاصة والغربية بصفةٍ عامة خبراً نُشر في الثاني من فبراير من العام الجاري تحت عنوان: "قبائل السكان الأصليين في الولايات المتحدة الأمريكية يَصِلون إلى تسوية في الأول من فبراير مع شركة جونسون و جونسون وثلاث شركات أخرى بمبلغ 590 مليون دولار أمريكي".

 

فما هي الجريمة التي ارتكبتها أيدي شركة جونسون وجونسون الأمريكية الشهيرة(Johnson & Johnson) وشركات أخرى للأدوية ضد الشعب الهندي الأحمر الأمريكي، أو الشعوب الأصلية في الولايات المتحدة الأمريكية، حتى يستحقوا الحصول على هذا المبلغ الكبير؟

 

فهل هي جريمة إبادة جماعية قامت بها هذه الشركات بزعامة جونسون و جونسون، كما قام بها أسلافهم وأجدادهم من قبل ضد هؤلاء الضعفاء والفقراء من السكان الأصليين لأمريكا؟

 

في الحقيقة، فإن هذه الجريمة الجديدة وقعت قبل نحو عقدين واستمرت حتى اليوم، وليس قبل قرون كما كان الحال في المرات السابقة، وهذه الجريمة النكراء لا تقل شدة ووطأة وتنكيلاً بهذه الأمة البسيطة من القبائل المتناثرة هنا وهناك، كما حدث في الماضي، ولذلك تستحق أن أُطلق عليها "إبادة مرضية جماعية".

 

فقد استهدفت عمداً شركة جونسون و جونسون المنتجة لعدة أنواع من العقاقير والأدوية المخدرة والمدمنة من الأفيون والهيروين والتي تقع تحت عنوان "المسكن للألم"، أو "المهدئ للأعصاب" هذه الأمم البسيطة من الهنود الحمر، وساعدت هذه الشركة العريقة العملاقة للقيام بهذا العمل الشيطاني القاتل والجريمة البشعة لأمم بأكملها شبكة معقدة ومنظمة من شركات التوزيع والتسويق مثل أمري سورس بيرجن(AmerisourceBergen)، وشركة كاردينال هيلث(Cardinal Health)، وماك كيسون(McKesson)، إضافة إلى قائمة كبيرة من المراكز الصحية والأطباء والصيدليات التي كانت تقوم بدور كتابة الوصفات الطبية لهذه "المسكنات"، سواء إلى المرضى الذين يحتاجون إليها، أو المرضى الذين حالتهم الصحية لا تستدعي مثل هذه الأدوية القوية والمخدرة التي تصيب الإنسان بالإدمان.

 

وهذه الحالة المأساوية غُرست بذورها الخبيثة في مجتمع الهنود الحمر منذ نهاية التسعينيات من القرن المنصرم، واستمرت أكثر من عقدين طويلين من الزمن، حتى أن الدراسات أكدت بأن أعلى معدل للوفيات للفرد الواحد على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية بسبب الإدمان والجرعات الزائدة كان في مجتمعات السكان الأصليين مقارنة بالأمريكيين المهاجرين من البيض وغيرهم. فعلى سبيل المثال في عام 2016 بلغ عدد الوفيات بسبب الجرعة الزائدة من الأفيون بين سكان قبيلة(Oglala Lakota) في ولاية ساوث داكوتا 21 شخصاً لكل مائة ألف من سكان القبيلة، حسب الدراسة الميدانية المنشورة في 21 ديسمبر 2018 في المجلة الأسبوعية تقارير الأمراض والوفيات(morbidity and mortality weekly report) تحت عنوان: "الوفيات بسبب الجرعة الزائدة من أدوية الأفيون والهيروين بين الهنود الأمريكيين والسكان الأصليين في ألاسكا في الفترة من 1999 إلى 2015".

 

وجدير بالذكر فإن هذه الشركات الجشعة التي لا ترقب في صحة الإنسان إلا ولا ذمة لم يكن هدفها فقط السكان الأصليين الفقراء، ولم يكتفوا بالربح القليل والمكاسب المالية التي جنوها من إفساد وتدمير صحة هذه الأمم الهندية البسيطة، وإنما توغلوا بعمق وبمنهجية مدروسة طويلة المدى في الشعب الأمريكي برمته، وجنَّدوا كل طاقاتهم وإمكاناتهم العقلية، والفنية، والمالية، والتسويقية من أجل تحقيق هذا الهدف الشيطاني اللئيم، فنجحوا في الدخول إلى كل بيتٍ أمريكي غني كان أو فقير، وتمكنوا من كل أمريكي مثقف كان أو جاهل، فأدمن جُل الشعب الأمريكي على المخدرات من جهة، وعلى هذه الحبوب المخدرة والمسكنة من جهة أخرى، حتى أن عدد الذين قضوا نحبهم بسبب الجرعات الزائدة وصل في عام 2020 فقط إلى قرابة 93 ألف ضحية بشرية سقطوا بسبب فساد هذه الشركات وإجرامهم في حق الشعب الأمريكي عامة، والحصيلة الإجمالية لعدد الوفيات قُدرت منذ التسعينيات من القرن المنصرم إلى أكثر من نصف مليون أمريكي، إضافة إلى نحو 20 مليون أمريكي يعانون من الإدمان على المخدرات بأنواعها وأشكالها المتعددة.

 

وعلاوة على ذلك فقد نشرت مجلة اللانست الطبية في الثاني من فبراير من العام الجاري بحثاً تحت عنوان: "التجاوب مع أزمة الأفيون في شمال أمريكا وغيرها: التوصيات من هيئة ستانفور ولانست"، حيث أفادت بأنه منذ عام 1999 أكثر من 600 ألف إنسان مات في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا من الجرعة الزائدة للأفيون، كما أشارت الدراسة بأن التقديرات تحذر من وفات قرابة 1.22 مليون في الفترة من 2020 إلى عام 2029، أي بمعدل وفاة 336 إنساناً كل يوم.

 

فهذا الوباء الخطير المستشري في جسد المجتمع الأمريكي وينخر في أعضائه يوماً بعد يوم يهدد فعلياً أمن وسلامة هذا المجتمع من جذوره، صحياً، واجتماعياً، واقتصادياً، فبدأت التحركات الجادة ضد شركات الموت والمرض على كافة المستويات والتي تعمدَّت إلى خلق حالة الإدمان هذه على أدويتهم، فمنها كانت تحركات على المستوى السياسي، ومنها على المستوى القضائي الذي شمل معظم ولايات وحكومات ومنظمات أمريكا.

 

أما على المستوى السياسي، فقد أعلن الرئيس الأمريكي السابق ترمب في 26 أكتوبر عام 2018 عن أعلى درجات التأهب والحذر وهي "حالة الطوارئ الصحية" على المستوى القومي بسبب الإدمان على الحبوب المسكنة للألم، حيث وصف ترمب هذه الحالة الكارثية قائلاً بأنها "أسوأ أزمة مخدرات في تاريخ أمريكا"، كما أضاف "إنها حالة طوارئ قومية، وسنصرف الكثير من الوقت، والكثير من الجهد، والكثير من المال على أزمة الأفيون".

وأما على المستوى القضائي فقد رُفعت عشرات الآلاف من القضايا إلى المحاكم على مستوى الفرد الأمريكي، أو على مستوى الحكومات والولايات والسلطات المحلية في أكثر من أربعين ولاية. وقد نجحت معظم هذه القضايا في إدانة هذه الشركات وإجبارهم إلى الوصول إلى تسوية مالية. فعلى سبيل المثال، توصلت وزارة العدل مع "بُوردو فَارما"( Purdue Pharma) التي تنتج حبوب الأفيون أوكسي كونتن(OxyContin) في 21 أكتوبر 2021، إلى تسوية تاريخية، حيث وافقت الشركة على دَفْع مبلغ وقدره 8.34 بليون دولار أمريكي، كما اعترفتْ رسمياً بجرائمها المتعمدة التي ارتكبتها ضد الشعب الأمريكي، فأقرتْ بها في بيانٍ مقتضب أُطلق على وسائل الإعلام، جاء فيه: "الشركة تُعبِّر عن أسفها العميق، وتتحمل كامل المسؤولية عن ممارساتها الخاطئة التي جاء تفصيلها من قبل وزارة العدل". كذلك هناك التسوية التي توصلت إليها قبيلة أو أمة تشيروكي(Cherokee Nation) في ولاية أوكلاهوما بمبلغ 75 مليون دولار في 27 سبتمبر 2021 مع جونسون و جونسون و3 شركات أخرى موزعة لحبوب الموت. وفي الوقت نفسه توصلت أربعين ولاية إلى تسوية مع شركة جونسون و جونسون وجنودها المرتزقة في العشرين من يوليو 2021 على مبلغ وقدره 40 بليون دولار كتسوية لآلاف القضايا المرفوعة ضدها.

وكل هذه التسويات بين الشعب الأمريكي وشركات الموت والقتل التي تعمل تحت غطاء شركات الأدوية والعقاقير، أو شركات إنتاج اللقاح تؤكد بأن هذه الشركات تعترف بذنبها العظيم أمام الأمريكيين، وتُبدي لهذا الشعب حجم الإثم العقيم الذي ارتكبته ضد المواطن الأمريكي من كافة أعراقه، وطبقاته، ومستواه العلمي والثقافي والإداري.

 

فإذا كانت هذه هي حجم الممارسات اللاأخلاقية واللاإنسانية التي قامت بها هذه الشركات الأمريكية للشعب الأمريكي نفسه والمتمثلة في القتل المتعمد البطيء عن طريق إدمانه على المخدرات، فماذا تتوقعون أن تكون معاملتهم مع الشعوب الأخرى، وخاصة الشعوب الفقيرة والمستضعفة والتي لا تتمتع بنفوذ سياسي أو اقتصادي على المستوى الدولي؟

 

وهذا السؤال يثير في نفسي أسئلة كثيرة أخرى متعلقة باللقاحات التي تنتجها هذه الشركات العملاقة الآن ضد فيروس كورونا، فكيف نثق في مصداقيتها وهي بيدها القول الفصل والأخير؟ وكيف نثق في سلامة وفاعلية وحماية لقاحاتهم لأمننا الصحي، وخاصة أن جميع التجارب على هذه اللقاحات لا تجريها جهات علمية مستقلة يمكن الوثوق بها؟ وكيف نصدق ادعاءاتهم بأننا كنا نحتاج إلى جرعة ثانية، ثم ثالثة، والآن نحتاج إلى جرعة رابعة؟ وما الذي يمنع هذه الشركات أن تفعل بنا كشعوب كما فعلت هي بشعبها، الشعب الأمريكي؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق