الأربعاء، 2 مارس 2022

وأخيراً أصبح كورونا كمرض الزكام الموسمي

منذ ديسمبر 2019 عندما نزل هذا الكرب العصيب والوباء العظيم على دول العالم أجمع، وتفشى في كل أسرة في العالم سواء أكانت في المدن الحضرية المكتظة بالسكان، أو كانت في المدن الصغيرة النائية البعيدة عن المراكز الحضرية الكبرى، فمنذ ذلك الوقت ورجال العلم والسياسة في حيرة كبيرة من أمرهم، وعقول الخبراء والمختصين عجزت حتى يومنا هذا في استئصال هذا الفيروس تماماً من جذوره، ولم ينجح في إيجاد العلاج الشامل والمستدام القادر على القضاء الساحق على هذا الفيروس الحقير المسبب لهذا البلاء المرضي من المجتمع البشري كلياً، بل وإن هذا الفيروس الضعيف عرَّى عقول البشر، وأثبت قلة علمهم، وفقر خبراتهم، وجعل الآية القرآنية الكريمة تنطبق عليهم: "وما أُوتيتم من العلم إلا قليلا".

 

وفيروس كورونا الحالي المعروف بسارس_كوفيد_2(SARS-CoV-2) والمؤدي إلى الوقوع في شباك مرض كوفيد_19(COVID-19) لا يختلف جذرياً وكلياً عن فيروسات كورونا الستة الأخرى المعروفة منذ عقود طويلة عند المختصين. فثلاثة من فيروسات كورونا شديدة العدوى والضرر على الإنسان والمجتمع، وقد تؤدي إلى هلاك الإنسان مثل فيروس كورونا ميرس، المسبب لمرض متلازمة الشرق الأوسط التنفسية(MERS-CoV) الذي أصاب بعض الدول العربية، وبخاصة المملكة العربية السعودية والأردن في عام 2012. وأما الأربعة فيروسات الأخرى من نوع كورونا فهي أقل وطأة وتأثيراً على المجتمع البشري، والذي من بينها الفيروس المسبب لمرض الإنفلونزا، أو الزكام الموسمي المعروف منذ أكثر من قرن، والذي لم تنجح عقول البشر أيضاً، وخبراتهم الطبية المتقدمة والمتراكمة منذ مئات السنين من وأده من جذوره من المجتمع الإنساني، بل وفشل الإنسان في تطوير العلاج الدائم له حتى الآن. فمرض الإنفلونزا مازال يضرب الإنسان في كل أنحاء العالم، ومازال الإنسان يعاني من أعراضه المزعجة والمقلقة والتي تؤدي إلى موت المريض في بعض الحالات الحادة، ولذلك يتعامل الإنسان مع فيروس الإنفلونزا، أو فيروس كورونا القديم هذا كأمر واقع لا مفر منه، ولا يمكن تجنبه كلياً، ولذلك يجب الحذر منه، واتخاذ كافة الوسائل العملية للتخفيف من حدته عند الإصابة به، وتجنب الاختلاط بالآخرين لمنع انتشاره بين الأسرة الواحدة، أو الأقارب.

 

ومع مرور أكثر من سنتين طويلتين على تفشي مرض كورونا الجديد في كل شبرٍ صغير أو كبير من كوكبنا، بدأ الإنسان يفكر في إدارته والتعامل معه كمرض بالطريقة نفسها التي يدير فيها مرض الإنفلونزا، أو البرد الموسمي العادي، وبدأت المنظمات الدولية المختصة، كمنظمة الصحة العالية إلى التفكير بصوتٍ عال مع المعنيين في الدول ومع الخبراء والعلماء على احتمالية اعتبار أن هذا المرض قد اجتاز وتخطى مرحلة الوباء العالمي(pandemic) ليتحول الآن إلى وباء محلي، أو قومي مستوطن كمرض الزكام(endemic)، ولذلك لا بد من الناحية العملية التكيف والتعايش معه واعتباره حقيقة واقعة لا مفر منها حالياً، والعمل رويداً رويداً على فك حزام الإجراءات المفروضة حالياً والتخفيف من قيود حرية العمل والحركة للبشر. 

 

وهناك عدة أسباب ربما ألزمت الإنسان إلى هذا التفكير الواقعي، واضطرته إلى تبني هذا المنهج الجديد في التعامل مع كوفيد_19، منها أن هذا الفيروس الغريب والغامض أرهق الإنسان ودول العالم أجمع لأكثر من سنتين عقيمتين جسدياً ونفسياً واجتماعياً، فمن لم يُصب بالفيروس نفسه ويتعرض جسمه الضعيف لأعراض هذا المرض والمعاناة العضوية التي تنجم عنها، فقد أصابه القلق النفسي والاكتئاب من الخوف من الوقوع في هذا المرض، ونزل عليه الرعب من تبعاته المتعلقة بالحجر والسجن المنزلي لنحو عشرة أيام عِجاف وصعبة، يبقى فيها في أغلب الأحيان في حجرة صغيرة في منزله، أو في شقته البسيطة، بعيداً عن الاختلاط بجميع الناس، القريب منهم والبعيد، والتوقف كلياً عن الأنشطة والبرامج اليومية التي كان يتمتع عند القيام بها.

 

كذلك هناك الجانب الاقتصادي العقيم الذي نزل على البشرية جمعاء فهزَّ أركان وقطاعات الدول قاطبة، من حكومات، وشركات، ومصانع، وجعلها كلها تقاسي من حالة اقتصادية حرجة جداً، أدت في بعض الدول إلى تراكم الديون عليها، واستنزفت الكثير من أرصدتها المالية وأفقرت ميزانياتها، وأنزلت عليها ركوداً اقتصادياً قلما رأيناه من قبل في التاريخ المعاصر. فكان لا بد من الخروج سريعاً وبأقل الأضرار من هذه الأزمة المالية الخانقة والمدمرة، وكان لا بد من فتح الاقتصاد المجمد، والرجوع إلى الحياة الطبيعية والانعاش الاقتصادي من جديد. 

 

كذلك من الأسباب التي أدت إلى تغيير سياسات الدول في إدارة المرض هو معرفتها أكثر بأدق التفاصيل المتعلقة بالفيروس، واكتسابها بعض الخبرات العلمية والتقنية خلال السنتين الماضيتين، إضافة إلى تطوير وتوفير عدة أنواع من اللقاحات في الأسواق، وقيام الدول بتلقيح شعوبها وكسب المناعة اللازمة المعروفة بمناعة القطيع لتجنب المرض وتحقيق المناعة المجتمعية، أو في حالة الإصابة تكون الأعراض غير شديدة ولا تستمر فترة طويلة من الزمن، ولا تؤدي إلى المزيد من الوفيات، حسب الدراسة المنشورة في مقال في مجلة "العلوم" في الثامن من أكتوبر 2021 تحت عنوان: "الوباء يدخل في مرحلة انتقالية، ولكن إلى ماذا؟"، إضافة إلى المقالين المنشورين في مجلة "الطبيعية" المرموقة، الأول في 16 فبراير 2021 تحت عنوان: "كورونا سيبقى، وهذا ما يعني؟"، والثاني في العاشر من يناير 2022 وعنوانه: "كوفيد جاء ليبقى وعلى الدول اتخاذ القرار لكيفية التكيف معه".

 

وبالرغم من التوجهات الجديدة المشهودة للكثير من دول العالم في التعامل مع كورنا الجديد كما يتم التعامل مع كورنا القديم، أو مرض الإنفلونزا والبرد الموسمي، إلا أن منظمة الصحة العالمية، الذراع الصحي للأمم المتحدة، لم تُعلن رسمياً عن موقفها ورأيها في إدارة مرض كوفيد_19 ، كما لم تُفصح أو تُوجه دول العالم إلى أية سياسة عامة حول هذا المرض وكيفية التعامل معه مستقبلاً، مما يعني أنه بشكلٍ رسمي لا بد من ضرورة الاستمرار في تقييم المخاطر المحتملة حول أنماط انتشار هذا الفيروس، ولا بد من الشفافية التامة في نشر كافة المعلومات المتعلقة بتطورات المرض في بلاد العالم أجمع والمراقبة عن كثب لحالات العدوى لهذا الوباء، سواء أكان نشر المعلومات على مستوى الحكومات، أو المنظمات الدولية والمحلية، أو الجامعات ومراكز الأبحاث.

 

فاليقظة أمام هذا الفيروس العقيم مطلوبة، وأخذ الحذر من منع تكرار المآسي السابقة لا بد منه على المدى القريب والبعيد، فالأعين يجب أن تكون واعية ومفتوحة دائمة، والأذن صاغية لأي جديد قد يطرأ على وضع هذا الفيروس على المستويين القومي والدولي، وأتمنى في البحرين أن نتبع منهج الوقاية والمنع من المرض، ونستمر في رفع شعارنا الحالي "مجتمع واعي: معاً ضد كورونا".

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق