الخميس، 20 أكتوبر 2022

عصر انقراض الأحياء

 

في كل ساعة من كل يوم تنقرض كائنات حية نباتية أو حيوانية من على سطح الأرض، سواء أكان هذا الكائن الحي كبير الحجم، أو مجهرياً صغيرة الحجم لا يرى بالعين المجردة.

 

وفقدان الإنسان لهذه الكائنات الفطرية الحية تعني خسارة من نوعٍ ما لنا جميعاً، سواء بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، ولكن في بعض الأحيان لا نعرف مدى تأثير هذا الانقراض على الإنسان أو على النظام البيئي، فلم يكتشف الإنسان أسرار هذا المخلوق وأسباب وجوده معنا على سطح كوكبنا.

 

فقد يكون هذا الكائن الذي اختفي من على الأرض مصدراً للغذاء للبشرية أو لكائنٍ حي آخر يعتمد في استدامة حياته على هذا الحيوان أو النبات، فاختفاؤه أو انخفاض عدده سيؤثر مباشرة على مسيرة حياته، كما ينعكس بشكلٍ غبر مباشر وعلى المدى البعيد أو القريب على الإنسان نفسه، أو قد يكون هذا المخلوق النباتي أو الحيواني الذي ولى ولن يعد مصدراً للدواء لعلاج الأمراض والأوبئة الحالية أو المستقبلية المزمنة والتي لم يتعرف الإنسان بعد على نشاطه البيولوجي كمصدر للعلاج لهذه الأمراض.

 

وفي الوقت نفسه فإن هناك شعوباً بأكملها تعيش كلياً على هذه الكائنات الحية، وتعتمد في حياتها اليومية عليها، إذ لا حياة كريمة وهانئة بدونها، فلهذه الأحياء بُعداً اقتصادياً وسياحياً واجتماعياً وثقافياً ورمزياً، إضافة إلى الأبعاد الأخرى المتعلقة بالغذاء، والكساء والملبس، والمسكن.

 

وقد أكد على حقيقة هذا التهديد الوجودي للكائنات الحية وفقدان التنوع الحيوي الحيواني بصفةٍ خاصة، التقرير المنشور من الصندوق العالمي للطبيعة(World Wide Fund for Nature) في أكتوبر 2022 تحت عنوان: "تقرير الكوكب الحي لعام 2022(Living Planet Report 2022)، حيث شارك في إعداده 89 عالماً من مختلف دول العالم.

وقد توصل التقرير إلى عدة استنتاجات عامة مهمة على الصعيد الدولي، منها ما يلي:

أولاً: أفاد التقرير بأنه منذ عام 1970 وخلال الخمسين عاماً الماضية خسرت الأرض قرابة 70% من الحياة الفطرية البرية الحيوانية في البر والبحر والجو، حيث شمل التقرير دراسة 5230 نوعاً من الكائنات الحيوانية، من ثدييات وطيور وزواحف وأسماك، حسب مؤشر الكوكب الحي(WWF Living Planet Index).

ثانياً:  هذه النسبة المتعلقة باختفاء الكائنات الحية الحيوانية تختلف في شدتها من منطقة إلى أخرى، ففي إمريكا الجنوبية ومنطقة الكاريبي كانت النسبة هي الأعلى، حيث بلغت الخسائر 94% نتيجة لإزالة الغابات في منطقة الغابات المطيرة، وبخاصة غابات الأمازون، وفي المرتبة الثانية جاءت أفريقيا بنسبة 66%، ثم آسيا والباسيفيك 55%، وأمريكا الشمالية 20%، وأخيراً أوروبا وآسيا الوسطى بنسبة 18%.

ثالثاً: أفاد التقرير بأن كائنات المياه العذبة انخفضت بنسبة 83% منذ عام 1970.

رابعاً: هناك عدة أسباب تقف وراء هذا الموت الجماعي للكائنات الحيوانية خاصة، والكائنات الحية والتنوع الحيوي عامة، من أهمها التدهور العصيب الذي لحق بالبيئات الفطرية الطبيعية في البر والبحر والجو من الناحيتين النوعية والكمية. فإزالة الغابات التي تحمل في بطنها الملايين من الكائنات النباتية والحيوانية تتم إزالتها بشكلٍ ممنهج في كل دول العالم من أجل ثرواتها ومواردها من الخشب ومن أجل توفير المساحة لزراعة المحاصيل للأكل والطاقة. كذلك حرائق الغابات المتزايدة في مساحتها وتكرارها تقضي على التنوع الحيوي بشكل مباشر وخطير وتهدد استدامة عطائها.

ومن جانب آخر هناك الصيد الجائر واستنزاف الثروات البحرية، إضافة إلى مخلفات الصيد من شباك وأدوات ومعدات الصيد التي تهدد حياة الثروة البحرية. فقد نُشرت دراسة في مجلة "تطورات العلم"(Science Advances) في 14 أكتوبر 2022 تحت عنوان: "تقديرات دولية حول فقدان أدوات الصيد في المحيط كل سنة"، حيث قدَّمت الدراسة تقديراً لأدوات وشباك الصيد التي ضاعت، أو فُقدت في المحيطات على المستوى الدولي، منها أكثر من 810 آلاف كيلومتر مربع من خمسة أنواع من الشباك المستخدمة في الصيد، إضافة إلى 25 مليون من الأدوات الأخرى بشكلٍ سنوي، ولا شك بأن لكل هذه المخلفات تداعيات عقيمة تهدد أمن وسلامة الموارد البحرية الحية، وتؤدي مع الوقت إلى انخفاض أعدادها ثم انقراضها.

كذلك من أسباب تدهور التنوع الحيوي وانقراض الأحياء هو تلوث مياه البحار بالمخلفات الصناعية، ومياه المجاري، ومياه الصرف الزراعي، إضافة إلى تداعيات التغير المناخي المتعلقة بسخونة الأرض وارتفاع حرارة المياه وتأثيراتها المباشرة على الأحياء التي تعيش فيها. وعلاوة على ذلك هناك التلوث الأحيائي وغزو الكائنات الأجنبية الدخيلة إلى المسطحات المائية وتأثيراتها المباشرة على أعداد الكائنات الفطرية الأصيلة التي تعيش في تلك البيئات المائية.

 

فهذا التدهور في أعداد الكائنات الحية بشقيها النباتي والحيواني يعد ظاهرة دولية يمكن مشاهدتها في كل دول العالم. ففي البحرين، على سبيل المثال، لا شك بأننا فقدنا الكثير من التنوع الأحيائي، فانقرض بعض الكائنات الحية النباتية والحيوانية من على أرض البحرين. وأستطيع هنا أن أُقدم تقييماً نوعياً وليس كمياً لهذه الظاهرة، فالدراسات عندنا حول نوعية وأعداد الأحياء في بيئة البحرين شحيحة جداً وغير شاملة. فلو رجعنا إلى الوراء قليلاً وبالتحديد إلى النظام البيئي الفريد من نوعه للعيون الطبيعية في البر والبحر، ففي بيئة العيون الطبيعية عاشت أنواع من الأسماك التي انقرضت كلياً مع جفاف العيون، كذلك في هذه البيئة اختفت البرمائيات التي كانت تعيش بالقرب منها مثل الضفادع وسلاحف المياه العذبة، إضافة إلى النباتات التي كانت تعيش فيها، ومنها غابات النخيل التي انخفضت أعدادها بنسبة ملحوظة للجميع وانخفضت معها أعداد الطيور، وبخاصة الطائر المغرد الوحيد في البحرين وهو البلبل. وعلاوة على ذلك فبيئة السواحل البحرية تعرضت لعمليات الحفر والدفان في مناطق واسعة، ولا يعلم أحد كم من كائنات حية حيوانية ونباتية فقدتها البحرين واختفت إلى الأبد وبدون رجعة من البيئة البحرية، كما انخفضت في الوقت نفسه أعداد الأسماك كمياً ونوعياً. ومن البيئات البحرية ننطلق إلى المناطق الصحراوية التي تغيرت هويتها إما للتنمية العمرانية، وإما لعمليات التنقيب عن النفط والغاز، والتي بدورها أثرت سلباً على الأعشاب البرية والحيوانات والطيور التي تعيش عليها وتحت ظلها.   

وفي الولايات المتحدة الأمريكية نُشر تقرير في 12 أكتوبر 2022 تحت عنوان "حالة الطيور 2022"، وهذا التقرير قدَّر عدد الطيور التي فقدتها الولايات المتحدة الأمريكية وكندا منذ عام 1970 بقرابة 3 بلايين، إضافة إلى أن هناك 70 نوعاً من الطيور يواجهون خطر الانقراض ومهددون بالاختفاء من على سطح الأرض وسماء كوكبنا، حيث انخفضت أعدادها بنحو 50%.

فالتقارير التي تثبت انقراض الأحياء بدرجة مقلقة وعلى نطاقٍ واسع في كل بقاع الأرض في البر والبحر والجو تتجدد يوماً وبعد يوم، وكلها تشير إلى أننا نقف في المستقبل القريب المنظور أمام تهديد وقوع الانقراض السادس للأحياء من على سطح كوكبنا، فهل من مُجيب لنداءات هذه التقارير؟

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق