الأحد، 30 أكتوبر 2022

مؤشرات وتوقعات حول مصير اجتماع شرم الشيخ للتغير المناخي

 

نجاح أو فشل أي اجتماع للأمم المتحدة حول التغير المناخي يعتمد في تقديري على موقف الدول الأطراف في اتفاقية التغير المناخي والتزامهم وتعهدهم بتنفيذ قضيتين رئيستين. وهذا التقدير مبني على متابعاتي لاجتماعات التغير المناخي السنوية المستمرة منذ أن دَشنتْ دول العالم قضية التغير المناخي في جدول أعمال الاجتماعات الدولية الأممية الخاصة بها، بدءاً بقمة الأرض في عام 1992 في ريو دي جانيرو التي وَضعتْ النواة الأولى لاتفاقية إطارية أممية حول التغير المناخي حتى الاجتماع رقم (26) في نوفمبر 2021 في مدينة جلاسجو الأسكتلندية.

أما القضية الأولى فهي في مجال أمن الطاقة على المستوى الدولي، حيث من أهم وسائل مواجهة قضية التغير المناخي هي القضاء على سبب تكوين هذه الظاهرة الدولية العصيبة من مصادرها. ومن المعروف منذ عقود بأن السبب الرئيس لنشؤ ووقوع التغير المناخي وارتفاع حرارة الأرض وزيادة سخونتها هو انطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يتولد وينبعث أساساً من حرق كافة أنواع الوقود الأحفوري من نفط، وفحم، وغاز طبيعي في جميع مصادره التي لا تعد ولا تحصى، سواء أكانت السيارات والطائرات، أو محطات إنتاج الكهرباء، أو المصانع. وهذا يؤكد بأن نجاح الإنسان في خفض سخونة الأرض والتخلص من ظاهرة التغير المناخي يعتمد أساساً وبدرجة كبيرة على جهوده المشتركة على المستوى الدولي في التخلص من استخدام الوقود الأحفوري.

ولذلك إذا التزمت الدول في الاجتماعات الخاصة بمناقشة التغير المناخي، وتعهدت أثناء المفاوضات بخفض استخدام جميع أنواع الوقود الأحفوري، ثم نفذت ميدانياً هذه التعهدات بالتحول التدريجي من الوقود الملوث للهواء والمسبب للتغير المناخي إلى أنواع الوقود النظيفة والمتجددة، فعندئذٍ نستطيع أن نحكم بأن الاجتماع قد نجح وحقق البعض من أهدافه.

فمن بين 26 اجتماعاً للتغير المناخي حتى الآن، أستطيع أن أقول بأن من بين الاجتماعات الأكثر نجاحاً وفاعلية على الأرض كان الذي عُقد في مدينة كيوتو اليابانية عام 1996، والذي تمخض عنه بروتوكول كيوتو الذي يلزم دول العالم الصناعي المتقدم على خفض انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون والغازات الأخرى المسؤولة عن ارتفاع حرارة الأرض، ثم بدرجة أقل كان اجتماع باريس لعام 2015. وبالرغم من هذا النجاح "المؤقت" للاجتماعين إلا أنهما فشلا على المدى البعيد لأسباب سياسية واقتصادية في تحقيق الأهداف الرئيسة، وهو الوصول إلى معاهدة دولية مشتركة وملزمة للجميع لخفض انبعاث غازات الدفيئة والتحول من الوقود الأحفوري إلى الوقود المتجدد غير الملوث للهواء الجوي.

واليوم نشهد نكسة دولية جديدة في مجال الطاقة ونوعية الوقود المستخدم، فقد تبخرت كل التعهدات السابقة وذهبت مع الريح، حيث رجعتْ دول العالم مرة ثانية إلى تعاطي الفحم والنفط والغاز الطبيعي، فإدمان العالم على هذا الوقود مازال مستمراً، وبخاصة بعد فبراير 2022 عند غزو روسيا لأوكرانيا، وخلط جميع أوراق الطاقة والوقود على المستوى الدولي، وخلق حالة وأزمة حادة متمثلة في شُحٍ شديد لمصادر الطاقة بجميع أنواعها، وبالتحديد في الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية.

وقد أفادت "الوكالة الدولية للطاقة"( International Energy Agency) في التقرير المنشور في 27 أكتوبر 2022 تحت عنوان: "توقعات الطاقة الدولية"( World Energy Outlook) بأن الطلب على المدى القريب على الوقود الأحفوري من المتوقع أن يزيد ويرتفع ويصل إلى أعلى مستوى خلال الـ 15 عاماً القادمة، وهذا يعني بأن كوكبنا سيسير ببطء نحو طريق ارتفاع حرارته قرابة 2.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن.

وهذه المعلومات والتقديرات من الوكالة الدولية للطاقة تؤكدها الحقائق والوقائع الميدانية المشهودة على الأرض، وتثبت رجوع أوروبا إلى زواجها الدائم مع الفحم. فعلى سبيل المثال لا الحصر، في 27 أكتوبر 2022 أَزالتْ ألمانيا وهدمت جميع أبراج ومعدات توليد الكهرباء بالرياح البالغ عددها 20 برجاً في مدينة كولون تمهيداً لإعداد واستصلاح الموقع للتنجيم عن الفحم واستخراجه لتوليد الطاقة الكهربائية، حيث يُنتج هذا المنجم نحو 190 مليون طن من فحم اللجنيت البني الشديد التلويث للبيئة.

فلا شك بأن هذه الأزمة الحالية العقيمة المتعلقة بندرة الوقود لإنتاج الكهرباء خاصة، ورجوع أوروبا وغيرها إلى الفحم والنفط ستنعكس مباشرة على مواقف وتوجهات الدول في أي اجتماع حول التغير المناخي، وستلقي بظلال ثقيلة ومظلمة عليه، مما يثير لدي الريبة وعدم التفاؤل في نجاح الاجتماع رقم (27) في شرم الشيخ في نوفمبر 2022، وبالتحديد بالنسبة للقضية الأولى التي ذكرتُها في مطلع المقال حول مواقف الدول وتعهداتها في نبذ الوقود الأحفوري، والتخلص من استخدامه على المدى القريب.

وأما القضية الثانية التي تُحدد مصير أي اجتماع حول التغير المناخي بين النجاح أو الفشل، فهي الجانب الاقتصادي، أو الجانب المالي المتعلق بمساهمة ودعم الدول الثرية والغنية المتقدمة للدول النامية والفقيرة في التكيف مع تداعيات التغير المناخي وتشجيعها على الاستثمار في مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة، إضافة إلى خفض انبعاثاتها من الملوثات المسببة للتغير المناخي. ومن أجل ذلك تم تأسيس صندوق المناخ الأخضر(Green Climate Fund) في عام 2010 لتتحمل الدول الصناعية مسؤولياتها الأخلاقية التاريخية لتسببها في وقوع التغير المناخي ومساعدة الدول الفقيرة لمواجهة هذا التحدي. وقد تعهدت الدول الصناعية في عدة اجتماعات بدفع مبالغ مالية للصندوق، منها اجتماع باريس للتغير المناخي في عام 2015، حيث تعهد الأغنياء من الدول المتقدمة بدفع 100 بليون دولار سنوياً بحلول عام 2020، ولكن لم يتحقق من هذا الالتزام إلا الشيء اليسير والقليل، وفي كل اجتماع تتعهد الدول ولكن لا تلتزم بالدفع، واجتماع شرم الشيخ لن يكون مختلفاً.

فاليوم ونحن نواجه أزمة الحرب والانفاق العسكري الكبير، لن تتمكن حتماً الدول الغنية من الوفاء بالتزاماتها أثناء اجتماع شرم الشيخ، مما أيضاً يثير لدي الشكوك وعدم التفاؤل في نجاح هذا الاجتماع.

ولذلك أرى بأن هذ الاجتماع غير محظوظ، فقد جاء في التوقيت الخطأ وغير المناسب، فدول العالم المعنية تغيرت أولوياتها هذه الأيام ومنغمسة ومشغولة في قضية وجودية غير التغير المناخي، فهمها ينصب أولاً في توفير الطاقة، من أي مصدر، ولو كان الوقود الأحفوري، وثانياً الانفاق على الحرب لتحقيق النصر، وليس على مساعدة الدول الفقيرة لمواجهة التغير المناخي.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق