الأحد، 9 أكتوبر 2022

أمريكا تُعيد تعريف الغذاء "الصحي"؟

المواصفات والمعايير التي تضعها الدول في كافة القطاعات سواء أكانت بيئية، أو صحية، أو غذائية ليست جامدة لا تتحرك، وليست ثابتة لا تتغير، وليست أبدية ومخلدة تبقى أبد الدهر، وإنما هي اجتهادات وقتية ومؤقتة تَحكُمها الأدلة العلمية، وتحددها الظروف الاقتصادية والتقنية في تلك الفترة الزمنية، ولذلك فالمواصفات عملية ديناميكية قابلة للتغيير والتبديل، ومعرضة لعملية التحديث والتجديد في أي وقت إذا توافرت معلومات جديدة وحديثة، فيجب مراجعتها وإعادة صياغة التعريفات والمعلومات المتعلقة بها لكي تواكب هذه المواصفات استنتاجات الأبحاث الميدانية المستمرة، وتلاحق المستجدات العلمية، وتتماشى مع المبتكرات التقنية والأجهزة الحديثة.

 

ففي القطاع البيئي على سبيل المثال حدَثتْ تطورات وتغيرات على بعض المواصفات الخاصة بجودة الهواء الجوي لسبب رئيس هو أن كل مواصفة تُوضع تُعارضها بعد سنوات الأدلة العلمية والأبحاث الطبية التي تؤكد بأن هذه المواصفة غير صالحة ولا تحقق الهدف من وضعها وهي حماية صحة الإنسان.

 

 فغاز الأوزون يُعد من الملوثات الثانوية، أي لا توجد مصادر تنبعث منها غاز الأوزون مباشرة، وإنما يتكون نتيجة تفاعل بعض الملوثات التي تنبعث من السيارات ومحطات توليد الكهرباء مثل ثاني أكسيد النيتروجين والغازات العضوية المتطايرة، حيث تتفاعل هذه الغازات مع بعض عند وجود الشمس، فتُكوِّن خليطاً معقداً ومدمراً من الملوثات التي تهدد صحة الإنسان والنبات والحيوان والمواد. ولذلك عندما أَصدرتْ الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1970 قانون الهواء النظيف، وضعتْ مواصفة جودة الهواء للملوثات "المؤكسدة الكيميائية الضوئية الكلية"، وبمتوسط تركيز لا يتعدى 80 جزءاً في البليون في الساعة الواحدة، ثم في عام 1979 تم تغيير المواصفة لتكون خاصة بغاز الأوزون، وبتركيز 120 جزءاً في البليون، كما تم تغيير وخفض هذه المواصفة للمرة الثالثة في عام 1997 ليكون التركيز في مدة 8 ساعات لا يتجاوز 80 جزءاً في البليون. وبعد ذلك أجمعت الدراسات أن غاز الأوزون يؤثر على صحة الإنسان بمستويات أقل من هذه المواصفة، مما اضطرت الجهات المعنية في عام 2008 إلى إجراء تغييرٍ رابع على هذه المواصفة، فأصبحت 75 جزءاً في البليون خلال 8 ساعات. وتواصلت الأبحاث العلمية في مجال الانعكاسات الصحية والبيئية الضارة لغاز الأوزون على البشر والشجر والحجر، وأكدت أيضاً من جديد على أن المواصفة التي وُضعتْ في عام 2008 تُعد غير صالحة وغير مجدية ولا تفي بهدف حماية صحة الناس، فقامت وكالة حماية البيئة الأمريكية في عام 2015 للمرة الخامسة بالتغيير، فانخفض معدل التركيز إلى 70 جزءاً في البليون في فترة 8 ساعات. ومازالت المحاولات مستمرة من قبل الأطباء وعلماء البيئة ورجال القانون لإجراء تغييرٍ سادس على هذه المواصفة، حيث إن آخر الدراسات والأبحاث أشارت من جديد بأن المواصفة السابقة أصبحت بالية وقديمة وغير صالحة للاستعمال، فالمقترح الجديد هو أن تُخفض إلى 60 جزءاً من غاز الأوزون في البليون جزء من الهواء الجوي.

 

وفي قطاع التغذية تقع اليوم تغييرات مشابهة لما حدث لغاز الأوزون، حيث أصدرتْ إدارة الغذاء والدواء الأمريكية التابعة لوزارة الصحة والخدمات الإنسانية إعلاناً في 28 سبتمبر 2022 تحت عنوان:"مُقترح اشتراطات علامات الغذاء: دعاوى محتوى المواد الغذائية، تعريف مصطلح "صحي". وهذا الإعلان الحالي يُعد مراجعة أولية شاملة، وإعادة تعريف وتحديث لمصطلح المنتج الغذائي "الصحي" الذي وضعته الإدارة في عام 1994، حيث كان التركيز في ذلك الزمن على نسبة الدهون الموجودة في الطعام.

 

وهذا الإعلان يتزامن مع المؤتمر الذي عُقد في البيت الأبيض تحت عنوان: "مؤتمر البيت الأبيض حول الجوع، التغذية والصحة" في 28 سبتمبر 2022، والذي يهدف إلى القضاء على الجوع، وتحسين التغذية والنشاط البدني، إضافة إلى خفض الأمراض المتعلقة بالغذاء، كما يهدف المؤتمر إلى تدشين استراتيجية قومية حول القضاء على الجوع، ورفع مستوى ونسبة التغذية الصحية والنشاط البدني بحلول عام 2030.

 

وفي تقديري هناك سببان رئيسان للتركيز الآن على الغذاء "الصحي"، وإعادة النظر في التعريف والمواصفة القديمة، وهما أولاً بأن المواصفة السابقة للمُنتج الغذائي "الصحي" لا تفي بالغرض، ولا تستقيم مع نتائج البحوث الغذائية الموثقة، فالمواطن الأمريكي، كما هو الحال بالنسبة للناس في معظم الدول الغنية والثرية، وفي مقدمتها دول الخليج، يعاني من أنماطٍ غير صحية، وسلوكيات وعادات غذائية غير سليمة ولا تقي من الأمراض المزمنة. وثانياً فإن المواطن الأمريكي والكثير من البشر في دول العالم يقعون تحت وطأة الأسقام التي لها علاقة بسوء استهلاك نوعية الغذاء من جهة، والإفراط في استهلاكه من جهة أخرى، ولذلك في هذه الدول، وبخاصة الأطفال والشباب منهم يقاسون من تفاقم الإصابة بالأمراضٍ التي لها علاقة بالغذاء نوعياً وكمياً، حتى إن هذه العلل تحولت إلى أوبئة عامة يسقط فيها الأطفال والشباب خاصة، مثل البدانة والسمنة والوزن الزائد، والسكري من النوع الثاني، وأمراض القلب. 

 

ولذلك وحسب التعريف الجديد للمُنتج الغذائي "الصحي"، يجب أن يحتوي على حدٍ أدنى من بعض المكونات الضرورية لوقاية صحة الإنسان ونموه، وبالتحديد الخضروات، والفواكه، والألبان أو البروتينات، إضافة إلى تحديد كمية محتويات الدهون المشبعة، والصوديم، والسكر المضاف غير الطبيعي في هذا المُنتج. فعلى سبيل المثال، رقائق الذرة والحبوب(كُورن فلاكس، أو السيريل) يجب أن لا تحتوي على أكثر من جرام واحد من الدهون المشبعة، و 230 ميليجراماً من الصوديم، و 2.5 جرام من السكر المضاف. فإذا التزم المُصنع لهذه المادة الغذائية بهذه المحتويات، فيُسمح له عندئذٍ  إطلاق كلمة "صحي" على العلبة، أو وضع ملصق وعلامة رمزية تفيد بأنه منتج "صحي".

 

وتماشياً مع هذه التطورات الجديدة في الولايات المتحدة الأمريكية حول المُنتج الغذائي الصحي، علينا أولاً تغيير سلوكيات وعادات المواطنين الغذائية من حيث نوعية وكمية الغذاء الذي يتناوله المواطن يومياً من أجل وقايته وحمايته من التعرض للأمراض المزمنة المتعلقة بالغذاء، وثانياً أن نلحق بركب توفير الغذاء الصحي للمواطنين حسب التعريفات والمواصفات الجديدة، وأن نعمل على تقنين ومراقبة دخول أي منتجٍ غذائي في البحرين بحيث يتوافق مع هذه المعايير الغذائية الصحية، والأمر الثالث والأخير هو أن نُتابع دائماً آخر المستجدات والتطورات العالمية العلمية والتقنية في جميع القطاعات، سواء أكانت المتعلقة بالغذاء الصحي، أو معالجة الأمراض والوقاية منها، أو حماية البيئة ومكوناتها الحية وغير الحية. 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق